المهندس: مصعب الأمين محمد علي يكتب.. مفهوم حوافز المغتربين وحلم العقار والمزرعة والسيارة (2)
مجموعات السكن التضامني
في وطن مثل السودان وفي تاريخ الحكومات التي مرت على البلاد، لم تقدم الدولة أي خطة واضحة لتمليك المواطنين منازل يأويهم بل هي لم تكن من أجندة الحكومات أصلاً، ما عدا محاولات بائسة لصندوق الإسكان والتعمير لبناء بيوت ربما كانت ملاذاً لمشردي الحروب وشكلت لهم مستقراً مؤقتاً ولكن لم تكن سكناً بالمعنى الذي يحلم به المغتربون، فاصبح المغترب يهاجر من وطنه ويقضي السنوات الطويلة ليحلم ببناء منزل لأسرته ربما لا يسكن فيه أبداً وربما يفارق الحياة قبل أن يكون بيته جاهزاً للسكن وربما يسكن فيه وهو في آخر عمره يعيش فيه لحظات الموت الأخيرة، ولكنه يكون راضياً عن نفسه كونه استطاع أن يترك لأبنائه منزلاً يأويهم، إن أفضل وسائل استقطاب أموال المغتربين للنظام المصرفي هو عن طريق توفير عقار لهم، والآلية التي نوردها في هذا المقال لا تحتاج إلى مبالغ مالية تعجيزية من الدولة بقدر ما هي تنظيم وترتيب وتحفيز لمنظومة تشييد العقارات في القطاع الخاص ليحدث التكامل المنشود بين القطاع العام والخاص من حيث إنعاش الاستثمار العقاري وفي نفس الوقت استقطاب العملة الصعبة عن طريق إدراج أموال المغتربين في القطاع المصرفي للقضاء على السوق السوداء اللعينة، وفي في ظل الحاجة الملحة للمغتربين للاستثمار أو شراء شقة للسكن قامت بعض المبادرات في المملكة العربية السعودية عن طريق تكوين جمعيات أو فرق تتعاون لمشاركة قطعة أرض في موقع مميز يقومون بتشييد مبنى مكون من أربعة أو خمسة طوابق وكل منهم يحصل على شقة فيه، وقد لاقت هذه المبادرات نجاحاً منقطع النظير، قدمت نموذجاً ناجحاً في التعاون والتكافل لحل إشكالية السكن بأسعار التكاليف فقط، وذلك هرباً من عروض الشركات العقارية المرتفعة جداً وأيضاً لعدم ثقة المغتربين في أي مشروع تطرحه الحكومة نسبة لتعسر المشروعات الرسمية وفشلها في الغالب، من ضمن هذه المبادرات مبادرة السكن التضامني التي نجحت حتى الآن في تشييد عشرات المباني التي تضم مئات الشقق السكنية في ولاية الخرطوم كلها بالعون الذاتي لملاكها، هذه المبادرة هي أساساً للحلول العقارية أو الحوافز التي يجب تقديمها للمغتربين، ومصدر لاستقطاب تحويلاتهم بالعملة الأجنبية للنظام المصرفي، وتعتبر هذه المبادرة الآلية المثلى والسريعة وذلك لقناعة المغتربين بها وثقتهم فيها، حيث أنهم يديرون عملية البناء بأنفسهم خطوة خطوة مما يزيل مخاوف عدم الثقة التي رسبتها التجارب السابقة، لذا يجب تقنينها بصورة رسمية من الحكومة لتكون أساساً لنهضة عمرانية في البلاد وعنصراً مهماً في منظومة العودة الآمنة والمستدامة للمغتربين الى أرض الوطن، جميع المبادرات التي تشاركت مباني في أوساط المغتربين كانت العملة الرسمية فيها هي الدولار، حيث التزم المغتربون المشاركون في تلك المبادرات بتحويل أموالهم داخل الوطن بالعملة الصعبة أو ما يعادلها في السوق السوداء، وعملية التحويل لم تتم بالنظام المصرفي قطعاً، وحيث أن العملة الأجنبية كانت ضمن حلقات تلك العملية ولكنها خارج النظام المصرفي، هذه المبادرات هي الآن مستمرة وتلاقي نجاحاً منقطع النظير حيث تم طرح عدة مشاريع جديدة في مدن سكنية مثل المنشية وكافوري والأزهري والمنشية شرق ومؤخراً مدينة لؤلؤة الشرق، حيث أن المنظومة تعمل دون الحاجة للتعامل مع النظام المصرفي في البلد، ويكمن تحدي الحكومة في تقديم محفزات لتكون تلك العملية ضمن الإطار الرسمي للدولة، وأن تتم عملياتها المالية ضمن النظام المصرفي، وسنطرح مقترح الحوافز في عناصر المنظومة الأساسية لضمان الاستقطاب الكامل وإنعاش ذلك النوع من المبادرات وضمان استمراريتها واستدامتها داخل النظام المصرفي واستقطاب مزيد من المغتربين لتلك المبادرات، ومن الحوافز التي نطرحها حافز التمويل البنكي وهو أن تقوم البنوك بتوفير التمويل طويل الأجل وقليل الفائدة للمغتربين للتملك في تلك المبادرات على أساس أن يقوم المغتربون بإرسال أقساطهم البنكية بالعملة الأجنبية وبالنظام المصرفي، وذلك على أساس أن تقوم البنوك بتأهيل شركات عقارية متعددة وتترك الخيار للمغتربين للاختيار بين الشركات العقارية التي ستقوم بتنفيذ البناء لهم، وذلك للمحافظة على شكل المبادرة التي وثق فيها المغتربون وأن تكتفي البنوك بتمويل عمليات البناء وضمان جودته وسلامة عمليات الشراء للمواد حسب الخطط المعتمدة لمراحل البناء المختلفة، وبدخول البنك كعامل أساسي في عملية التمويل يقدم المساعدة في دفع القسط الأول الذي يعجز عن توفيره كثير من المغتربين ويمكن أن يقوم البنك بتوزيع الأقساط الى فترات طويلة بدون فائدة أو بسعر فائدة رمزي حيث أن مصلحة البنك الكبرى هي استقطاب العملة الأجنبية، الحافز الثاني هو مواد البناء، حيث كل المواد التي يتم استخدامها في تلك المباني يجب أن يتم إعفاؤها من الضرائب أو من أي رسوم أخرى، بحيث يجب على الدولة استرداد كافة المبالغ الضريبية التي تم دفعها للحديد والاسمنت ومواد الكهرباء والسباكة ويتم أيضاً إعفاء المصعد المستخدم في العقار أو مضخات الحريق من أي جمارك أو رسوم حكومية ويجب إعفاء أي مواد أخرى تم استخدامها في العقار من أي ضرائب، هذه الإعفاءات تقلل من تكاليف البناء وتشجع المغتربين للاستثمار في مزيد من الوحدات السكنية وتنعش السوق العقاري وتستقطب مزيداً من العملات الأجنبية للمنظومة المصرفية، والخطوة التالية يجب تنظيم قوانين ولوائح تنظيم سوق العقارات حتى تكون عملية الاستثمار فيه عملية مستدامة تعتمد على الفائدة المتبادلة بين صاحب العقار والمستأجر دون تحيز القوانين والتشريعات إلى طرف واحد.