تقرير- عبد الله عبدالرحيم
أكد د. عبد الله حمدوك رئيس الوزراء أن بناء جهاز للأمن الداخلي خلال هذه المرحلة يمثل أولوية للحكومة الانتقالية، وأكد أن الأمن عنصر أساسي في تحقيق الاستقرار والسلام والديمقراطية، مطالباً بضرورة المحافظة على الأمن، وتزامناً مع ذلك أكّد دولة رئيس الوزراء خلال لفائه قيادات الشرطة على أهمية الشروع في القيام بالإصلاحات الضرورية المطلوبة في أجهزتنا الأمنية، سواءً بالشرطة أو الأمن. وبشَّر حمدوك في ذلك السياق بقُرب إجازة قانون الأمن الداخلي والذي سيكون جزءاً أصيلاً للشرطة ليعيد لها دورها وتكامل أجهزتها لبسط الأمن وسيادة حكم القانون. وقال رئيس الوزراء إن معالجة قضايا الانتقال تمثل الأولوية الخامسة للحكومة الانتقالية، وأكد في هذا الصدد أن الحكومة بدأت بانتقال تعترضه تعقيدات وتحديات كثيرة جداً، موضحاً أن هذا الانتقال يقوم بشكل صلب على النموذج السوداني في الشراكة بين المدنيين والعسكريين لتجنيب البلاد شر الانزلاق لمآلات تعيشها شعوب قريبة وبعيدة، وأضاف “بتكاتفنا وعملنا معاً نستطيع المضي ببلادنا للأمام وسنعبر”.
الظهور للعلن:
بحديث السيد رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك عن إنشاء جهاز وقانون للأمن الداخلي، لم يعد الأمر سرًا فقد بدأ الأمر يتخطى حاجز السرية كاسراً بذلك كل التخوفات التي قد تنشأ نتاج ذلك لجهة أن الانتقالية عملت على تحييد الأمن منذ عهدها الأول، وتؤكد بهذه الخطوة على أهمية الأمن وقانون للأمن في بناء دولة المؤسسات. لكن هناك من يرون أن الخطوة تتطلب الكثير من المواعين وهي بدورها تطلب ميزانية متكاملة وتعد طبقًا لذلك بالرهق الإضافي لاقتصاديات الدولة. لكن مراقبون يرون أن وجود قانون للأمن يعد من أهم أولويات الحكومة للحفاظ ومراقبة أجهزة الدولة ودفعها لتجويد الأداء ولكنهم لم يخفوا تخوفهم من أعباء هذه الخطوة على ميزانية الدولة..
وتفتح هذه الخطوة نافذة جديدة من التفضيلات وأسئلة فرعية من شاكلة ألم يكن من الأوفق دعم المكون الموجود والعمل على تجويده أم الأفضل الاتجاه لبناء جهاز وقانون مما يشكل عبئاً إضافياً أو ألم يكن الأوفق المزاوجة بين الفكرتين لتخفيف الأعباء.
مكلف للدولة:
ويرى د. عبد الناصر سلم الخبير في القانون الدولي لـ(الصيحة) الخطوة بالكبيرة والمكلفة لجهة أنها احدثت ردود أفعال متفاوتة في الساحة السياسية وقال إن البعض ظل يتحدث عن ضرورة تجهيز الأجهزة الموجودة وتغييرها بصورة كاملة لضمان التحول الديمقراطي حسب ما هو مطروح في الساحة من إعادة هيكلة للأجهزة الأمنية في الماضي. وقال سلم كما أن هناك مؤيدين لهذه الخطوة وهناك أيضا معارضون لها يرون أنها تكلف الدولة ميزانية كبيرة جداً في أشخاص يراد إعدادهم وقانون جديد يحتاج للكثير من المقومات.
تأهيل القديم:
وطالب الحكومة بعدم اتخاذ مثل الخطوة التي أعقبت نظام حكم النميري في العام 1986 عقب هيكلة الأمن الخارجي والداخلي مما ساعد في تسرب المعلومات والتي من شأنها أن تؤثر في الأمن السوداني. لكن عبد الناصر يرى أنه إذا اعتمدت هذه العملية على ميزانيات جديدة على الخزينة العامة فإنها ستؤثر على الدولة وعلى ميزانيتها، لجهة أن إعادة الهيكلة تحتاج لأموال، مشيراً إلى أن العقلية الأمنية دوماً تتغير مع رأس النظام. ويرى سلم أن السلطة السياسية لها رؤى مغايرة ودوماً يعود الأمر لها. وقال إن التغيير في الوقت الحالي يكلف الدولة ولكن الأهم هو تأهيل القديم من القوات للاعتماد عليها في إنفاذ القانون المراد إنشاؤه بدلاً من إهدار الأموال في إنشاء الجديد، مؤكداً بأن السودان لا زال يدفع ثمن حل جهاز الأمن الخارجي في العام 1986.
المبدأ المتاح:
لطالما خضع النظام القضائي السوداني، تحت سلطة النظام السابق، للتدخل السياسي لكن الوثيقة الدستورية تنص على استقلالية النظام القضائي. لكن تطبيق هذا المبدأ يحتاج على الأرجح إلى إصلاحات كبيرة. تنص الوثيقة الدستورية على خطوات أساسية لإصلاح النظام القضائي، وأن تعزز استقلالية القضاء من خلال تطبيق إجراءات جديدة لاختيار القضاة وتعيينهم. وكل ذلك يمضي تزامناً مع إجراءات بناء وتشكيل قانون للأمن خلال هذه الفترة الانتقالية بما يضمن سيرها لإنفاذ مقاصدها ولكن كل ذلك يجب أن يتم على شاكلة إعادة هيكلة القاعدة الموروثة وليس لإجهاض القديم وبناء وتشكيل جسم ينشأ من جديد لارتفاع التكلفة وهدراً للمال العام والوقت.
لا تعارض:
ولكن البعض لا زال يرى العديد من التقاطعات جراء إنشاء الجهاز والتي قد تحدث مع الأجهزة النظامية الأخرى، مما يمكن أن يشير ذلك إلى فقدان الثقة التي قد تحدث مع الأجهزة الأخرى التي تقوم بذات المهام، بالإضافة إلى استفهامات كبيرة حول تبعية الجهاز، رغم أن الوثيقة الدستورية نصت بتبعية كل الأجهزة الأمنية للمجلس السيادي، بيد أن البعض يرى أن قانون الأمن الداخلي ربما يتبع لحمدوك بصفته رئيساً للوزراء، وهذا الأمر يقول حوله القانوني المعز عمر حضرة لـ(الصيحة)، إن قانون الأمن الداخلي مطلب حقيقي لضبط البلاد من التفلتات التي قد تحدث، وبذلك فهو لا يتعارض مع أي جهاز أمني آخر. وأشار إلى أنه سوف يتبع مباشرة لسلطات وزير الداخلية وفقاً للقانون الذي تم إنشاؤه عليه. وحيث إن جهاز قائم بذاته فلا توجد تقاطعات سياسية أو عملية بينه وبين أي جهاز آخر. وأكد حضرة أن السودان ومنذ مرور عهد الإنجليز وحتى آخر حكومة ديمقراطية فيه هناك دوماً جهاز للأمن الداخلي، وحتى عندما جاءت الإنقاذ عملت على قلب كل الموازين لمصلحتها حيث أنشأت جهازاً خاصاً لتوطيد دعائم حكمها عطلت من خلاله عمل جهاز الأمن الداخلي المنوط به تماماً ردع الجريمة ووقف التفلتات باعتبار أنه سلطته تتبع للسيد وزير الداخلية فقط. وأكد حضرة أن المطالبات ظلت تتنزل للمجلس السيادي منذ قيام حكومة الثورة بضرورة إعادة هيكلة قوات الشرطة، ولكنه لم يفعل ذلك وهذا الأمر ربما أقعد الشرطة عن دورها الحقيقي وصارت أداة تتبع للعهد البائد وهذا القانون والجهاز الجديد سوف يمكن الشرطة من قيامها بواجباتها على أكمل وجه، وبالتالي سوف تساهم في تحقيق شعارات الثورة التي من أجلها قامت.
دعوات عابثين:
ولكن العميد شرطة (م) محمد عبد القادر يرى في ظنه أن الدعوات التي تحدثت عن هيكلة الشرطة والقوات الأمنية والعسكرية كانت تهدف إلى إشاعة روح الفوضى حيث إنه كان مدخلاً لعبث العابثين بهذه الأجهزة الحساسة في الوقت الذي كان يجب عليها القيام بدورها كاملاً في وأد الفتنة التي أطلت برأسها على البلاد، وقال: حسناً فوتت الدولة أمر هذه الدعوات التي طالب بها البعض ولولا أن هناك كوادر كبيرة ونشطة لكان تكون قد شردت وأفرغت هذه الأجهزة الأمنية عن محتواها جراء هذا التشريد. عبد القادر يرى أن الوضع العام الآن غير مستقر لا اقتصادياً ولا سياسياً ولا اجتماعياً عقب (تعويم الجنيه) حيث باتت ظواهره تقرع أجراس الخطر حتى قبل مجيء سيداو وتعديلات القوانين المرتقبة لتتماشى مع نصوص اتفاقية السلام. ويرى أن الحديث يجب أن ينصب في كيفية إدارة الوضع الأمني بالكيفية المطلوبة وفق روح الفريق المتجانس.
خصوصية مختلفة:
الفريق ركن عثمان بلية الخبير العسكري يرى أن الجهاز المراد تكوينه قريباً يقوم بمهام لجهاز الأمن حيث إنه يقوم بالاعتقالات والمساءلات الداخلية بينما جهاز الأمن الخارجي يقوم بعمل السفارات، وكل هذا العمل إنما على رباط وثيق بعمل الشرطة. وقال بلية لـ(الصيحة) إن عمل الجهاز الجديد قد لا يتعارض مع أداء ورسالة الجيش السوداني لتخصصه، ولكنه قد يكون على صلة بعمل أجهزة الأمن التي تتبع لوزارة الداخلية ولا توجد تقاطعات بينه وبين تلك الأجهزة فكل ينطلق من منطلقات تخصصية بحتة بينما يتبع لوزارة الداخلية، وقال: لا أرى أن تبعية هذه الأجهزة يمكن أن تمثل إشكالاً ولكني أرى أنه سوف يتبع لوزارة الداخلية مباشرة طالما هو على علاقة بأمر الأمن الداخلي ولن يتأثر الجيش بمثل هذا العمل المختص بالمساءلات والاعتقالات، فالجيش مهمته أو اختصاصاته مختلفة فهو يتعامل مع المعارك والحروب الخارجية والداخلية والمحافظة على السلام والاستقرار بالتنسيق مع بقية الأجهزة الأمنية والشرطية.
حماية الثورة:
لم تكن فكرة قيام جهاز الأمن الداخلي قد نالت ذات الصدى واستهوت بعض المختصين من الأمنيين والعسكريين الذين تباينت رؤاهم حوله، ولكن البعض منهم بدأ ينظر للأمر بشيء من الخصوصية والنظرة البعيدة التي ترفض ازدواجية الأجهزة والمهام.
الفريق أول ركن حسن يحيى زميل أكاديمية الحرب العليا ونميري العسكرية، يقول لـ(الصيحة)، إن قيام جهاز للأمن الداخلي بهذه المواصفات لا علاقة له بحماية البلاد من التفلتات والتي هي من صميم واجبات ومهام الشرطة، مؤكداً أنه تم تصميمه لحماية الثورة، وقال يحيى: كان على المكون العسكري أن يرفض بشدة تغول المكون المدني على صلاحياته وفق شروط الوثيقة الدستورية التي حددت صلاحيات كل مكون، مشيرًا إلى أن مسؤوليات جهاز الأمن الداخلي وقانونه من واجبات المجلس السيادي لجهة أنه بعض مسؤوليات الجانب العسكري، وأكد أن حماية الثورة افترضت أولاً تجريد الأمن من صلاحياته وتركته جهازاً دون صلاحيات، متسائلاً عن الكيفية التي سيدير بها هذا القادم الجديد مهامه. وجزم حسن يحيى بأن الفكرة تهدف لحماية عناصر الثورة ونظامها من خلال جهاز أمن كل عناصره قد تكون مختارة بعناية من لجان المقاومة في صورة تؤكد ازدواجية القرارات والأنظمة، وزاد بأن الأمن الداخلي سيكون خصماً على سلطات أجهزة نظامية مثيلة. وأشار إلى أنه تكلفة جديدة على عاتق خزينة الدولة المثقلة بالديون والمطلوبات داخلياً..