د.عثمان البدري يكتب :الخرطوم عاصمة لا حضارية.. كيف تكون؟
مدرس تحليل السياسات العامة والتخطيط الاستراتيجي.. جامعة الخرطوم
من المعلوم للكافة أن التخطيط الشامل الديناميكي الاستباقي المبني على المعلومات الدقيقة الموثقة غير القابلة للنقض هو الأساس السليم للتطور والتنمية المستدامة في المجتمعات والدول المواكبة لتطور العالم الرقمي المعاصر والتي تتطلع للمنافسة من أجل مستقبل أفضل مع بقية الأمم والشعوب والدول. قبل انتقال العاصمة من أم درمان بقعة المهدي المباركة
إلى الخرطوم في العام 1902 بعد اكتمال مباني الحكمدارية والسرايا ومباني كلية غردون التذكارية كان هنالك تخطيط محكم يستهدف تحقيق الخطة الاستراتيجية للدولة والتي كان من أهم أهدافها أن تصبح الخرطوم العاصمة التجارية لأفريقيا. وعلى هذا تم تخطيط العاصمة الخرطوم. من معالم ذلك التخطيط أن الشوارع الرئيسية تم تخطيطها لتستوعب الحركة المستقبلية للعاصمة التجارية لأفريقيا. من ملامح ذلك التخطيط الحضري أن الشوارع الرئيسية مثل شارع النيل والجامعة كان عرض كل منهما أربعة ثمانين متراً ابتداء واستمر هذا زمانًا حتى تم التضييق بفعل فاعل في بعض جوانب شارع النيل وحتى سور الجامعة الذي يحيط بشارع الجامعة في أصله سور أخضر أي شجيرات خضراء تسهل إزالتها ولم تكن المباني الثابتة تصل لحدود الشارع المرسومة. وإلى قريب كانت هنالك إدارة كاملة للتخطيط الحضري تسمى إدارة التنظيم موكول لها تنظيم كل شيء في العاصمة في إطار منهج التخطيط الحضري وكان في جامعة الخرطوم معهد للتخطيط الحضري وكنا نعمل في إطار لجنة لوضع منهج لدراسة الماجستير والدكتوراه للتخطيط الحضري الشامل فقام
أحد العباقرة بشطب المعهد. وكل شارع رئيسي أو فرعي له اسم أو رقم و كل منزل أو متجر له رقم وكانت المكاتبات تصل لتلك العناوين مباشرة. وتلك
التسميات والترقيم موجود حتى الآن ولكن لا يؤبه له ـو به. و لا يتم التعامل بها الآن إلا عند استخراج شهادات البحث وأمثالها. ومن أهم ميزات التخطيط الحضري ناهيك.. عن أن تكون عاصمة حضارية أو أياً من تلك الأوصاف.. أن تكون هنالك خطوط مواصلات عامة لنقل المواطنين بمواعيد منضبطة و محطات محددة وسرعات محددة للمركبات ومواصفات تساعد المواطنين على الانتقال السهل الميسر الذي يمكن من برمجة الزمن. كان ذلك كذلك. ومن أهم مكونات ذلك النظام ومؤسسة النقل العام الحكومية ذات الكفاءة العالية والانضباط والانتشار والميزة التنافسية في التكلفة. كان ذلك موجودًا ومنضبطاً بل كانت السلطات المعنية تقوم بإجراء التفتيش الراتب على جاهزية المركبات واختبار مدى صلاحية السائقين على فترات. ونظام المواصلات العامة هذا موجود في كل دول العالم المتقدمة والمتخلفة
الشرقية والغربية الرأسمالية والاشتراكية الفقيرة والغنية. ويعتمد عليه ويعتد به و يتعامل معه كبار رجال الدولة في كثير من الدول وخاصة الأوروبية. وتطوير ذلك النظام غير الجوانب الاقتصادية فيه هو تقليل
الازدحام والاختناقات المرورية وتقليل نسب التلوث الكربوني و استهلاك الطرق العامة وتقليل حوادث الطرق. وعندنا هنا تدهور الأمر حتى لم يعد
نظام للمواصلات العامة وأصبحت العاصمة في هذا الجانب عاصمة للفوضى المرورية ناهيك عن أن تكون عاصمة حضارية أو ما شابه ذلك. المظهر الأخطر هو عدم التقيد بالتصنيفات التخطيطية من أن هذا سكني وذلك تجاري وصناعي ومنطقة مفتوحة وليس هنالك ضبط لذلك فكل العام أصبح مستباحًا للأغراض الخاصة وبلا اعتبارلاية تخطيط فالكل يمكن أن يحتاز أية مساحة عامة وينشر فيها سلعته وخدمته و هذا لا يقتصر داخل وحول الأماكن العامة فقط بدل الاعتداء على الشوارع العامة والفسحات الخالية داخل الأحياء. فأصبحت الخرطوم عاصمة الفوضى وحتى المستشفيات والجامعات والمدارس أصبحت مباحة متاحة لكل الأعمال التجارية من بائعي الطعام وستات الشاي وتزاحم الركشات في الطرق الرئيسية السيارات والمواتر والشاحنات. واختفت المسارات المخصصة لكل الأنواع بعد أن كانت فأصبح الكل يملك الكل ومتاح له وتجد المواتر وسط البصات وفي كل انحاء العالم الذي سبقته الخرطوم في التحضر مسارات لكل أنواع المركبات والمشاة، أما هنا فعاصمة ولا عاصمة حضارية. وعندنا سلطات من كل المستويات على مستوى رئاسة الدولة والوزارة والحاكم أو والي الولاية ونوابه وغيرهم إلى أدنى السلم موجودون وبكثرة فهل يرون أو يسمعون أو يعملون..
ولقد أسمعت لو..