التعويم.. فك العزلة الاقتصادية
ترجمة إنصاف العوض
وصفت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية قرار الحكومة الانتقالية تعويم الجنية السوداني بالمطلب الرئيسي للمؤسسات المالية الدولية لمساعدة السلطات الانتقالية على إصلاح الاقتصاد المنهار، وقالت الصحيفة: اتخذ السودان خطوة غير مسبوقة، ولكنها متوقعة بتعويم عملته يوم الأحد، تلبية لمطلب رئيسي من قبل المؤسسات المالية الدولية لمساعدة السلطات الانتقالية على إصلاح الاقتصاد المنهار، وأضافت: كانت هذه الخطوة مطلبًا رئيسيًا من قبل صندوق النقد الدولي، الذي حدد سبتمبر الماضي كموعد نهائي للحكومة للانتقال إلى سعر صرف موحد مقاصة للسوق. ووفقاً للصحيفة يتعين على السودان إنهاء برنامج مراقبة الموظفين لمدة 12 شهرًا مع صندوق النقد الدولي للفوز بإعفاء من ديونه الخارجية، والتي تبلغ 70 مليار دولار. ولفتت الصحيفة إلى أن صندوق النقد سيطلع مجلس إدارته على إجراءات السودان في مارس المقبل ليصبح السودان بعدها مستعدًا لاستقبال المنح والقروض.
تهديد انتقالي
وبحسب الصحيفة، فإن التعويم هو أجرأ إجراء اقتصادي تتخذه الحكومة العسكرية المدنية المشتركة التي حكمت الدولة الأفريقية بعد انتفاضة شعبية. وأدت الثورة إلى الإطاحة العسكرية بالرئيس عمر البشير في أبريل 2019. ومنذ ذلك الحين، كانت البلاد على طريق هش نحو الديمقراطية مع تحديات اقتصادية مروعة تمثل تهديدًا كبيرًا لهذا الانتقال.
وترى الصحيفة أن قرار التعويم يمكن أن يثير ردود فعل شعبية مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات استجابة لانخفاض قيمة الجنيه والارتفاع المحتمل في أسعار الوقود والسلع الأساسية الأخرى خاصة وأنه كانت هناك بالفعل احتجاجات متفرقة على الظروف المعيشية السيئة في الأسبوعين الماضيين في العاصمة الخرطوم وأجزاء أخرى من البلاد.
وأبانت الصحيفة أن تداول الدولار الأمريكي بلغ أكثر من 350 جنيهاً للدولار في السوق السوداء، بينما كان سعره الرسمي 55 جنيهاً، قبل التعويم كما أن البنوك باعت الدولار بمتوسط 375 جنيهاً، وشراء العملة الأمريكية بمتوسط 390 جنيهاً، في محاولة لجذب المتداولين في سوق العملات غير الرسمية.
تطبيع اقتصادي
وقال بيان صادر عن بنك السودان المركزي، إن عملة السودان ستتذبذب الآن بحسب العرض والطلب. وأضاف أن التعويم هو جزء من الإجراءات التي شرعت فيها الحكومة الانتقالية للمساعدة في استقرار اقتصاد البلاد.
وقال البنك المركزي إن التعويم سيساعد في تطبيع العلاقات مع المؤسسات المالية الدولية والإقليمية والدول الصديقة لضمان تدفق المنح والقروض إلى الاقتصاد السوداني.
ورحبت السفارة الأمريكية في الخرطوم بالخطوة التى وصفتها بالشجاعة، قائلة إنها تمهد الطريق لتخفيف الديون وتزيد بشكل كبير من تأثير المساعدة الدولية.
وأضافت أن “هذا القرار سيساعد أيضاً الشركات السودانية ويجذب الاستثمار الدولي، حيث لن تواجه الشركات المحلية والأجنبية بعد الآن صعوبات في ممارسة الأعمال التجارية في السودان بسبب سعر الصرف المزدوج .
تماهٍ سياسي
ولمحت الصحيفة إلى أن قرار التعويم جاء بإرادة سياسية متوافقة، وقالت: جاء تحرك الأحد بعد أن أعلن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وهو اقتصادي سابق مرموق بالأمم المتحدة، عن تعديل وزاري لإضافة وزراء من المتمردين. وجاء التعديل في إطار صفقة أبرمتها الحكومة الانتقالية العام الماضي مع تحالف من المتمردين.
ويعاني السودان منذ سنوات من مجموعة من المشاكل الاقتصادية، بما في ذلك عجز كبير في الميزانية ونقص واسع النطاق في السلع الأساسية وارتفاع أسعار الخبز والسلع الأساسية الأخرى. إذ ارتفع معدل التضخم السنوي في البلاد إلى ما يزيد عن 300٪ الشهر الماضي، وهو أحد أعلى المعدلات في العالم.
وغرقت البلاد في أزمة اقتصادية عندما انفصل الجنوب الغني بالنفط في عام 2011 بعد عقود من الحرب، آخذًا معه أكثر من نصف الإيرادات العامة و95٪ من الصادرات.
ومنذ الإطاحة بالبشير، تعمل الحكومة الانتقالية على تغيير النظام الاقتصادي في السودان والانضمام إلى المجتمع الدولي بعد أكثر من عقدين من العزلة.
كما كان السودان منبوذًا دوليًا بعد أن تم وضعه على قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب في أوائل التسعينيات. أدى هذا إلى استبعاد البلاد إلى حد كبير من الاقتصاد العالمي ومنعها من تلقي قروض من المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي.
وشطب الرئيس السابق دونالد ترامب السودان من القائمة السوداء بعد أن وافقت الحكومة الانتقالية على دفع 335 مليون دولار كتعويضات لضحايا الهجمات.