ماذا قال الخبراء عن خطوة تعويم الجنيه
د. عصام صديق: هذا أول تحرير حقيقي للاقتصاد منذ ١٩٧٨
الناير: آثاره مضرة بالاقتصاد وتضاعُف الأسعار إلى أرقام مخيفة
بروفسور الزين: الحاصل الآن انتقال من السعر الرسمي إلى آخر سعر في السوق الموازي
خبير: الدولة محتاجة إلى ودائع فورية لمجابهة التعويم
كمال كرار: أي نظرية جربتها الحكومة الانتقالية خلقت أزمة وضائقة معيشية للمواطن
هيثم فتحي: هذا التحرير لن يغيّر واقع شح العملات الأجنبية
رهن خبراء ومتابعون للشأن الاقتصادي نجاح خطوة تعويم الجنيه بوجود احتياطي كبير من العملات الصعبة لدى بنك السودان يتراوح ما بين ١٠ و١١ مليارات دولار.
وأضافوا أن التحرير لن يغيّر واقع شح العملات الأجنبية، ولن يغيّر شيئاً بالنسبة للمصارف، لأن العملات الأجنبية لن تكون متوفرة سوى بالسوق الموازي، في ظل تواصل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها البلاد، مؤكدين أن المشهد الاقتصادي الحالي ينذر بكارثة حقيقية للارتفاع الكبير في معدلات التضخم.
(الصيحة) استطلعت عدداً من الخبراء وخرجت بالحصيلة التالية:
الخرطوم: سارة إبراهيم عباس
العرض والطلب
وفي ذات السياق، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة “المشرق” بروفسور عصام الدين الزين: إذا كان البنك المركزي سيعمل على توحيد سعر الصرف كقرار إداري يعتبر من المستحيلات والحاصل الآن انتقال من السعر الرسمي إلى آخر سعر في السوق الموازي، والسؤال الذي يفرض نفسه، هل سيكون هناك ثبات عند هذا السعر أم سيستمر انخفاض العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية؟ وأضاف أن الإجابة على هذه التساؤلات مبنية على قوة البنك المركزي في التحكم وعدم انهيار العملة الوطنية، ولكن البنك أبعد نفسه عن التدخل في تحرير سعر الصرف وترك تحديده لحرية كاملة، وفقاً لمؤشرات العرض والطلب ومنح البنوك التجارية لتعلن سعرها وفقاً لحجم الطلب والعرض لديها، مشيراً إلى أن البنوك التي كانت خارج الساحة والسيطرة على السوق الموازي ودخلت مع السوق الموازي وتساءل: هل سينسحب السوق الموازي ويغلق نشاطه بالكامل ويترك الساحة للبنوك التجارية أم سيكون السوق الموازي مكملاً للبنوك.
السيطرة الكاملة
وأوضح الزين في حديثه لـ (الصيحة) أن سيطرة السوق الموازي طوال الـ ٢٠ عاماً الماضية سيطرة كاملة على سوق العملات ولدية قوة كبيرة وقوية بينه وبين المغتربين واستطاعوا أن يدخلوا كل وسائل التواصل الاجتماعي وإنشاء قروبات خاصة بتجار العملة، بل استطاعوا تقديم تسهيلات للعاملين بالخارج وإجراء تحويلات بدون عمولة، وتساءل هل تستطيع البنوك منافسة السوق الموازي الذي لديه سيولة عالية خارج الجهاز المصرفي. وقال: في اعتقادي أن المسألة ستزداد تعقيداً وبها صعوبات كبيرة، والسوق الموازي سيسحب الثقة من البنوك ويواصل الارتفاع وسيعمل بكل الوسائل للتحكم.
وفي وجهة نظري أن البنك المركزي ووزارة المالية يحتاجان إلى ودائع فورية تظهر سريعاً وليس أقل من ١٠ إلى ١١ مليار دولار، وقال إن الحكومة هي المشتري الأول للوقود بشكل عام والقمح والأدوية ومدخلات الإنتاج، وهذا يعني مزيداً من ارتفاع معدلات التضخم إلى أرقام خيالية بجانب ارتفاع الأسعار وتأثيره على مستوى المعيشة وتدني القوة الشرائية.
تجريب المجرب
من جانبه، قال عضو اللجنة الاقتصادية بالحرية والتغيير كمال كرار، إن تجريب المجرب تحيط به الندامة، وإن تعويم الجنيه السوداني أو رفع الدعم هي سياسة اقتصادية فاشلة منذ السبعينيات، وأي نظرية جربتها الحكومة الانتقالية خلقت أزمة وضائقة معيشية للمواطن البسيط، موضحاً أن سياسات البنك وصندوق النقد الدوليين غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع لأنها سياسات بمثابة ضرر للفقراء لصالح الأغنياء، متهماً الحكومة بالتعامل مع السوق الأسود بشراء العملة الأجنبية. وقال إن الحكومة بدأت في تنفيذ تعويم الجنيه دون الإعلان عنه مما أسهم في الارتفاع الكبير للسلع الاستهلاكية. وأضاف أن الجنيه السوداني رمز السيادة، لذلك لا بد من تعظيمه، وليس إذلاله، وقال إن الحكومة الحالية أجرمت في حق الثورة أولاً ثم الوطن ثانياً، وساقت الاقتصاد إلى وجهات تعدم الثورة وربط الاقتصاد بمصالح دول ولم ينظروا له نظرة وطنية، وحل المشكلات الحقيقية التي أدت إلى خروج المواطن للإطاحة بالنظام البائد، وأن تعويم الجنيه سوف يقضي على ما تبقى من الاقتصاد السوداني .
الإصلاح الاقتصادي
من جانبه، قال مدير الوكالة الوطنية لتنمية الصادرات عبد المنعم عبد اللطيف سعيد، إن تعويم سعر الصرف أحد السياسات المرجوة لتطبيق حزمة الإصلاح الاقتصادي لمعالجة الاختلالات الهيكلية التي ظهرت ملامحها وأعراضها في ارتفاع معدلات التضخم والتدهور المستمر في سعر العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية وعزوف الاستثمارات عامة والصادر خاصة، مشيراً إلى تأثير الصادرات بتنفيذ الخطوة على المدى القصير ويؤثر على محاصيل الصادرات الزراعية من المنافسة العالمية، لأن ٧٥% من مدخلات الإنتاج مستوردة، والشركات المستوردة غير حكومية، الأمر الذي يؤدي إلى ضعف الإنتاج وأتوقع خروج عدد من العاملين في القطاع الزراعي، وفي المدى البعيد سيحدث التوازن وتعود الصادرات غير البترولية إلى القنوات الرسمية .
وفي سياق متصل، قال الخبير الاقتصادي د. هيثم محمد لـ(الصيحة): يرتكز تعويم سعر الصرف على ترك السوق يحدد السعر المناسب للحنيه السوداني مقابل الدولار الأميركي والعملات الأجنبية الأخرى، وتالياً فإنّ العرض والطلب يتحكمان بقيمة العملة، ولكن إذا كان التعويم ضمن إطار منظّم، فذلك لا يمنع البنك المركزي في حال امتلاكه الأدوات، من التدخل في السوق عبر ضخ العملات الأجنبية، في حال رأى أن العرض قليل وسعر صرف الجنيه السوداني يتراجع كثيراً.
هذا على الصعيد النظري، أمّا من الناحية التطبيقية، في تقديري هذا التحرير لن يغيّر واقع شح العملات الأجنبية ولن يغيّر شيئاً بالنسبة للمصارف، لأن العملات الأجنبية لن تكون متوفرة سوى بالسوق الموازي.
نظام تثبيت سعر الصّرف هو سياسة يمكن للدول النامية اتّباعها لفترة وجيزة بهدف استقطاب رؤوس الأموال، وخلق الثقة، ولكن هذه السياسة المستمرة منذ العام 2011م، أدّت إلى تضخم القطاع العام، وزيادة الإنفاق العام، ووضع السياسة النقدية في خدمة السياسة المالية إذا كانت سياسة التعويم تؤدي إلى تقلبات يومية لسعر الصرف، وإلى زيادة في التضخم، لكن كان يمكن قبل البدء في تعويم سعر الصرف، وضع خطة واضحة، تبدأ في حكومة تضع خريطة الطريق، ثمّ في التفاوض مع صندوق النقد الدّولي، ثمّ في شبكة أمان للطبقات الفقيرة
مع توفر عامل الثقة ضروري جدّاً، حتى لا يؤدي التعويم إلى خروج الأموال من البلاد مثل إنشاء صندوق سيادي لأصول الدولة، وضبط التهريب، كذلك وضع خطة اقتصادية واضحة المعالم، على أن لا يكون التعويم غير مضبوط، بل أن يكون ضمن قالب منظّم، وتتدخل الدولة عندما يتجاوز حداً معيّنا، أو يتراجع.
الإيجابي في الأمر، أن الحكومة لن تتحرك باتجاه الخطة قبل التفاوض مع صندوق النقد، وهذا الصندوق لن يساعد قبل وضع خطة اقتصادية مشروطة وتكون قادرة على تنفيذها.
أكبر مورد للعملات
وفي سياق متصل، قال الخبير الاقتصادي د. عبد الله الرمادي، إن هذا التعويم إن لم تسبقه الإجراءات الاحترازية التي نبّهت إليها، وحشد مبالغ مليارية بالعملات الأجنبية سيضع الاقتصاد السوداني في مهب الريح، ويمكن للمالية تحقيق ذلك سريعاً عن طريق إشرافها على الإنتاج الأهلي للذهب عبر أحد أذرعها وتتعهد هذا النشاط، وهو الأول لجلب العملات الأجنبية للسودان بما يقدر بعشرة مليارات من الدولارات سنوياً مع الاهتمام بتوفير مدخلات الإنتاج من جازولين ومياه صالحة للشرب ورعاية صحية وأمنية، ولقد زرتُ عددًا من مواقع الإنتاج البالغة مائتين مع وزير المعادن الأسبق وأنا مستشار له، ويقدر عدد المشتغلين بهذ القطاع بحوالي مليونين من الشباب، على أن تشرف الوزارة عبر أحد أذرعها على شراء الذهب منهم وتطوير المصفاة المعيبة الحالية ليكون لديها حق التوثيق لعيار الذهب، وتشرف الوزارة على تصديره ريثما تقام البورصة المعتمدة رسمياً، هذا أكبر مورد للعملات الأجنبية، ويجب عدم التهاون أو التفريط فيه، فهو بمثابة النفط للسعودية ودول الخليج.
تقييد الاستيراد
الخبير الاقتصادي عصام صديق قال، إن هذا أول تحرير حقيقي للاقتصاد منذ ١٩٧٨، ولكن لابد أن يكون ضمن حزمة متكاملة تزاوج بين العدالة والضمان الاجتماعي، والتحرير الكامل سبق أن تقدمت به منذ ٢٠١٨ وأهم ملامح تلك الحزمة إلغاء سياسة دعم السلع والخدمات وتحرير الأسعار كاملًا مع الدفع النقدي المباشر لذوي الدخل المحدود والعاطلين عن العمل والفقراء والمساكين وتقليص عدد العاملين بالحكومة إلى الثلث وإلغاء الحد الأدنى للصادرات وإلغاء شرط إعادة حصيلة الصادر، بجانب الاستيراد بدون تحويل قيمة وتقييد الاستيراد لبعض السلع الكمالية لفترة عامين وعشرة بالمائة ضريبة أرباح للأعمال، تعميم الدفع بالموبايل، وفتح صرافات تحويل عملة (أكشاك) بدون رأسمال في أى نقطة يصلها الانترنت وتشجيع الاستثمار في المصانع الصغيرة لسلع الميزة النسبية العالية للسودان (الصمغ والدخن) والتركيز على العربة قبل الحصان بتشجيع الاستثمار في الكهرباء والوقود الأخضر للصادر (اقتراح المهندس مامون سراج الدين) بإعفاءات ضريبية غير مسبوقة، تنفيذ المشروع القارى للسكة حديد ( bullet train 1000km/h) لربط عشر دول أفريقية بالسودان على نظام البوت، يبادر به السيد حمدوك رئيس الوزراء .
وشدد على أهمية تشجيع النساء على الاستثمار في إعادة استزراع غابات الطلح بحزامه الذى تصحر والسماح بتصدير نصف المشروع كحطب ساونا وفحم بعبوات صغيرة خلال ثلاثة أعوام والحصول على إعفاء ضريبي للمال المستثمر، وتنفيذ أكبر شركة مساهمة عامة للمناعة والهضم والوقود الأخضر في العالم من الصمغ والدخن والعنكوليب( Sweet Sorghum)
( مقترحة من ٢١ خبيراً) يرعاها زعماء القوى السياسية الفاعلة ولجان المقاومة المستقلة كلهم يروج لها، ويبادر بالترويج لها في القطاع الخاص والمهني المحلي والعالمي والمغتربين أكثر من أحد عشر كوكباً من رجال الأعمال المهمومين بالوطن والمشهود لهم بالنجاح.