تهريب الذهب.. مسلسل بلا نهاية
الخرطوم: جمعة
أدت حادثة ضبط “18” كيلو ذهب بمطار الخرطوم كانت في طريقها للتهريب، لتزايد الحديث عن تنامي ممارسات التهريب وكيف لم تستطع الحكومة ضبط الصادر برغم إصدار العديد من القرارات والسياسات، وقبل ذلك حجم التهريب الكلي وأثره على الاقتصاد القومي.
هدر للموارد
ويصف مراقبون ما يحدث في قطاع الذهب بأنه إهدار لموارد البلاد ودعوا لضرورة الاهتمام من قبل الجهات المختصة بقيام بورصة لشراء الذهب بالخرطوم بدل شرائه من بعض الدول بالخارج، فلابد أن تتخذ الدولة الإجراءات الصحيحة والسليمة والابتعاد عن العشوائية والتخبط في اتخاذ القرارات بجانب الاهتمام والاستفادة من عائدات البلاد بصورة صحيحة.
وبسبب عدم جدوى أسعار البنك المركزي لشراء الذهب من المنتجين، يفضل المنتجون بيع إنتاجهم لجهات غير رسمية تقوم بدورها بتهريبه لخارج الحدود، مع صعوبة واستحالة ضبط كامل التهريب لأن كثيرا من مواقع الإنتاج التقليدي خارج الرقابة وبعيدة عن السيطرة مما يفقد الحكومة العوائد الجليلة من الإنتاج وهي تعادل “10%” عن كل جرام ذهب، بإجمالي فاقد سنوي يقدر بـ 7 مليارات دولار، مع كون قطاع التعدين في السودان لا ينحصر في الذهب فقط، حيث تتواجد معادن أخرى بكميات هائلة لم يطلها الاستكشاف بعد، ومعادن أخرى توقف فيها الاىستكشاف بسبب الحرب في ولاية النيل الأزرق مثل الحديد والكروم والنحاس والرمال البيضاء والأحجار الكريمة.
وبسبب استمرار التهريب وعجز الحكومة عن القضاء على الظاهرة طالب مدير مصفاة الذهب مصطفى البكري بحصر صادر الذهب على بنك السودان المركزي لجهة أن البنك هو الجهة المسؤولة عن توفير السلع الأساسية خاصة الوقود والقمح.
وبرر مدير المصفاة، المطالبة بحصر صادر الذهب على البنك المركزي لأنه حقق نجاحات كبيرة عندما كان المصدر الوحيد للذهب، حيث كانت هناك وفرة كبيرة في استيراد السلع الاستراتيجية، موضحًا أن المصفاة وحتى تنال الاعتمادية هناك ما يقارب (17) شرطاً لا بد من توفرها في كل مصفاة، مؤكداً توفر عدد كبير من تلك الشروط لدى المصفاة الآن ومن ضمنها تصفية (5) أطنان من الذهب، مشيراً إلى أنهم قاموا بتصفية أكثر من (10) أطنان.
سلعة إستراتيجية
ويعتبر الخبير الاقتصادي عبد الله الرمادي، أن الذهب بالنسبة للاقتصاد السوداني “سلعة استراتيجية” ذات أهمية خاصة ويقوم مقام النفط بالنسبة للدول النفطية، موضحاً أن تلك الدول لا تضع المرافق الهامة في أيدي القطاع الخاص بل تحتكرها الحكومة لأهميتها الاستراتيجية الخاصة، وبالتالي يعتبر الذهب ذا أهمية للبلاد، حيث يبلغ تصديره من الإنتاج الأهلي فقط دون الذي منح للشركة باعتبارها من القطاع الخاص رغم عدم خبرتها السابقة في هذا المجال حوالى 130 طنا من الذهب سنوياً في المتوسط، لا تقل قيمتها بالعملات الأجنبية عن 5 مليارات دولار سنوياً، وهو يفوق ما يصدره السودان من كافة المنتجات من ثروة حيوانية ومنتجات زراعية كصمغ عربي وخلافه، فكل هذه مجتمعة حصيلتها دون الـ4 مليارات دولار سنوياً، بينما المنتج من الذهب عبر التعدين الأهلي فقط إذا تم إحكام منافذ التهريب فيصل العائد إلى 5 مليارات دولار.
لافتاً لأهمية قفل منافذ التهريب حتى لا يأتي عبر المضاربين بالعملات الأجنبية والدولار فيساهم في ارتفاع أسعار السلع وضرورة أن تضع الدولة يدها على الإنتاج عبر الإشراف على شرائه بطريقة منصفة، وضمان دخول العائد لخزينة الدولة.
وطوال السنوات الماضية ظلت هذه السياسات محل شد وجذب ما بين محتكر للشراء مرة وفك الاحتكار مرات ومنح المهمة لشركات خاصة في مرات أخرى، لكن كل تلك السياسات “التجريبية” لم تؤد لتحسين الوضع حيث كان المرجو منه الحد من تهريب الذهب سيما أنه أهم الموارد التي من شأنها توفير النقد الأجنبي للبلاد، وتوقعت أن تجذب السياسات الجديدة جزءاً مقدراً من الكميات المنتجة، بيد أنه لم يمض على هذه السياسة كثير من الوقت حتى أصدر قراراً قضى بإلغاء تراخيص عدد من شركات القطاع الخاص وأسماء أعمال مرخص لها شراء وتصدير الذهب، وقرر البنك المركزي الدخول بنفسه إلى سوق الذهب وشراء كل الكميات المنتجة بأسعار عالية من مناطق الإنتاج مباشرة عبر وكلاء.