تقرير- صلاح مختار
قالت الولايات المتحدة الأمريكية، إنها تدعم اتفاق جوبا لسلام السودان كحزمة واحدة غير قابلة للتجزئة، ودعت للالتزام بتنفيذه.
يبدو من حديث الولايات المتحدة الأمريكية أنها تعبر عن قلق ضمني على عملية تنفيذ اتفاق سلام جوبا وما وصل إليه حتى الآن. ربما واحدة من الصعوبات التي تواجه الاتفاق خلوه من توقيع فصيلين مهمين هما الحركة الشعبية جناح الحلو بالإضافة إلى حركة عبد الواحد نور، مما يعد الاتفاق ناقصًا ولا يحقق الهدف الذي تم من أجله, بالإضافة إلى الصعوبات الأخرى في تنفيذ بنوده من قبل الحركات التي وقعت على الاتفاق حتى الآن.
ويبدو أن أسامة سعيد رئيس مؤتمر البجا المعارض ورئيس وفد التفاوض لمسار شرق السودان نقل تلك الصعوبات في اجتماع مهم بمقر السفارة الأمريكية بالخرطوم، حيث التقى بالقائم بالأعمال الأمريكي بالخرطوم السفير براين شكان، ونائبه القائم بالأعمال السفيرة أمبر باسكيت، والمسؤول السياسي بالسفارة لي ولبر، وطبقاً لبيان أن اللقاء ناقش صعوبات تنفيذ اتفاق سلام جوبا بشكل عام واتفاق مسار الشرق بشكل خاص ودور الإدارة الأمريكية في دفع عملية تنفيذ استحقاقات اتفاق جوبا للسلام. وأكد القائم بالأعمال الأمريكي على دعم الإدارة الأمريكية لإنجاح الفترة الانتقالية والتحول الديمقراطي في السودان، وشدد على ضرورة تنفيذ اتفاق السلام دون تجزئة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل تقصد أمريكا بتجزئة الاتفاق أنها في انتظار الحلو وعبد الواحد نور للانضمام للاتفاق أم إنها تريد أن توصد الباب أمام أي اتفاق تجزئة؟ ولماذا إلى الآن موقف أمريكا مبني على التصريحات فقط دون دعم مباشر عيني أو مادي للخرطوم؟.
سلام جوبا
برر الكاتب والمحلل السياسي د. أبو بكر آدم موقف الإدارة الأمريكية من سلام السودان لما يمثله اتفاق السلام بالنسبة لها من أهمية سياسية واقتصادية، وبالتالي تسعى بكل الوسائل لإنجاح السلام الذي وقع في جوبا دون اعتبارات أخرى للذين لم يوقعوا عليه، ولذلك عندما ترى أن الاتفاق تنقصه فصائل ما زالت تناور في دارفور وفي مناطق في كردفان، فإن الاتفاق يصبح لا معنى له، ولذلك تريد الولايات المتحدة الأمريكية من الحكومة والأطراف الموقعة وغير الموقعة أنها تتعامل مع اتفاق واحد غير مجزأ بين الحركات, وقال لـ(الصيحة)، إن الولايات المتحدة ما زالت تنظر إلى اتفاق السلام الذي وقع أخيراً في جوبا بنوع من الريبة والشك ولا تريد الدخول في علاقات كاملة رغم رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب ومساعدة السودان في رفع العقوبات الاقتصادية، إلا أنها ما زالت ترى أن سلام جوبا ناقص وأن هنالك فصيلاً مثل الحركة الشعبية لتحرير السودان جناح عبد الواحد نور إضافة إلى الحركة الشعبية جناح الحلو وفصيل عبد الواحد خارج ميدان الاتفاق، وبالتالي ما لم توقع تلك الحركات لن يكون هنالك سلام. وقال: لذلك نجد الولايات المتحدة كأنها مترددة في التعامل المباشر مع السودان رغم أنها تضغط في اتجاه حمل الحركتين للتوقيع على اتفاق السلام.
الحركات المؤثرة
وقال عضو تنسيقية تيار الثورة الدكتور لؤي عثمان، إن مفاوضات السلام في السودان من الأساس لم تركز على الحركات المؤثرة فعليا في الحرب في دارفور، مثل حركة عبد الواحد محمد نور جيش تحرير السودان، والحركة الشعبية – شمال – بقيادة عبد العزيز الحلو، وهي ذات الثقل العسكري والسياسي على الأرض رغم انشقاق جزء منها بقيادة مالك عقار، “وهى المجموعة الأقل ويمكن أن نقول إنها حركة سياسية وليست مسلحة”، والذي وقع ضمن اتفاق جوبا. وأضاف لـ”سبوتنيك“: لا أتوقع أن يحدث سلام حقيقي في السودان بدون توقيع الحركة الشعبية – شمال – وحركة جيش تحرير السودان في دارفور، وأي توقيع خلاف ذلك سيكون جزئيًا ومحدوداً، لذا فإن هذا الاتفاق لا يحقق السلام والديمقراطية المنشودة، ولا يحد من الانقلابات العسكرية، ولا يشكل أي تغيير في موازين القوى لصالح الثورة، لأن الكثيرين كانوا يراهنون على أن دخول تلك القوات الثورية إلى دارفور يمكن أن يؤدي إلى توازن القوى باعتبارها قوى ثورية.
المصالح الاقتصادية
ويرى مراقبون أن السعي الجاد للولايات المتحدة تجاه السودان يرتبط بالمصالح الاقتصادية التي يزخر بها خاصة ولايات دارفور، وبالتالي تريد أن ينداح اتفاق السلام ليوقع فيه كافة الحركات دون استثناء، وقال مصدر إن قرار إدارة الرئيس بوش إنشاء قيادة عسكرية أمريكية خاصة بالقارة الإفريقية تحت اسم (أفريكوم) له دلالة على التوجه الاستراتيجي الأمريكي نحو القارة السمراء. غير أن خبراء أمريكيين آخرين يشتمون رائحة البترول في الاهتمام الأمريكي بدارفور، خاصة وأن التنافس على أشُـدِّه على المصالح البترولية في غرب إفريقيا بين الهند والصين. ويقول نائب مدير مركز الوساطة وحل الصراعات التابع للمعهد الأمريكي للسلام في واشنطن الدكتور ديفيد سموك، إن السبب الرئيسي لاهتمام الولايات المتحدة بدارفور هو أنها تمكّـنت من ترتيب اتفاق السلام بين الشمال والجنوب في السودان بهدف تحقيق الاستقرار، لتجد مصدراً مُـزعجاً لعدم الاستقرار من خلال الصراع المسلح في دارفور، الذي أودى بحياة آلاف المواطنين ونزوح مئات الآلاف منهم، وبالتالي، فإن البُـعد الإنساني وليس البُـعد الاستراتيجي أو الاهتمام البترولي، هو الذي يدفع الولايات المتحدة للاهتمام المتزايد بما يحدث في دارفور، كما أن تعاون حكومة الخرطوم مع إدارة الرئيس بوش في مكافحة الإرهاب، يجعلنا نستبعد أن يكون مرجع الاهتمام الأمريكي، الخوف من أن تؤدّي تداعيات الوضع في دارفور إلى زيادة نشاط الإرهابيين في غرب إفريقيا”. لكن الدكتور سموك أقر بوجود اهتمام أمريكي مبالغ فيه بدارفور من غلاة المسيحيين اليمينيين من البروتستانت الإنجليين.
دراسة أمريكية
وتقول دراسة حديثة للمجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية، إن الاهتمام الأمريكي بدارفور يتخطّـى مسألة الاعتبارات الإنسانية، حيث تُـدرك الولايات المتحدة، كما يقول التقرير، أن إفريقيا تشكل واحدة من أسرع المناطق نمواً في إنتاج البترول، بحيث أنه بحلول عام 2021 سيكون بوسع الولايات المتحدة أن تستورد من إفريقيا ما يُـعادل نفس الكمية من البترول التي تستوردها حالياً من الشرق الأوسط، ولذلك تشكِّـل دارفور، بموقعها المحاذي لبحيرة بترول تمتد من إقليم بحر الغزال مروراً بتشاد والنيجر وموريتانيا ومالي والكاميرون، صمَّـام أمان بالغ الأهمية لتدفق النفط المستخرج من هذه المنطقة، حيث تمثل دارفور المدخل الرئيسي لغرب إفريقيا، وتلاصق دارفور حدوداً مفتوحة على مناطق النفوذ الفرنسي في تشاد وإفريقيا الوسطى.