عبد الرحمن حلاوي يكتب.. وأفل قمر كنانة ورفاعة
أمسكتُ بيراعي وبدأت أسكب مدادي بلون أحمر قانٍ، وتارة أسود حزايني، وانا أجتر ذكريات سنين ولت وأدبرت وجمعت فأوعت وحشدت كل كلماتي ومنطوقي ومكتوب بلاغتي وفصاحتي وسحر بياني، وأنا أقف مشدوهًا حائراً تتطاير مني العبارات تطاير الشرر في ليلة حالكة مظلمة يرخي الليل عليها سدوله لأخاطبه وأحلفه برب البيت أن يسلفني ويعيرني ثوبه لأتوشح به عله يخفف عني صدمة الزمن الماشي والجايي والزمن اللسه.. اخذت اتكاءة. على وسادة خيالي وأنا أتأمل نجوم السماء نجمة نجمة.. الثريا ومجر الكبش ونجماية الضيف والعنقريب وبناتو ونجوم الخيل ونجوم النعام.. وهنا تحضرني هذه الأبيات لأحد شعراء البادية الذين هاموا مع الطبيعة وجادوا بما لم يجد به الأوائل..
أنا الليلة وقصيت مدالق السيل..
في ونسة وضحك لامن قسمنا الليل..
وقت النعام إشقلبنبو الخيل..
لا بخلت ولا جادت علي بالحيل..
بل زاد تعلقي وانجذابي واندهاشي بعالم النجوم.. أنا والنجم والمساء.. ضمنا الشوق والحنين.. وأنا أمدرمان تأمل في نجومي.. أنا السودان تمثل في ربوعي.. يا نجوم الليل أشهدي..علي بكاي وتنهدي..
وأنا أتأمل في النجوم وأتجول بخاطري وأشاهد بأم عيني القمر بازغاً طالعاً متلألئاً وسط المجرات تحفة ربانية بديعة من صنع البديع.. يا قمر دورين.. أنا شفتك وين.. في ضفاير النيل.. لو كنت تبعد في زحل.. أو بقيت قمر السما.. لا بد يوم ليك أصل.. واشرب براي عسل النحل.. فالقمر الذي نتحدث عنه عبر سطورنا هذه هو قمر كنانة علم من أعلامها بزغ وأضاء وعم بريقه وألقه وضوؤه تلك الروابي العالية المشرئبة إلى العلا كنانة فزانها ألقاً وبهرجة وسطع وأحال كل تلك الأرض اليباب إلى اخضرار مرتدية جواربها الصفراء في هذه الحقول التي تتم فيها صناعة السكر.. وزي ما ترنم وشدا وصدح قمة الغناء السوداني الأستاذ/ عبدالكريم الكابلي: سكر سكر.. وحات عيني سكر.. يا أروع جمال في منظر..
وقمرنا هذا يتفوق على كل النجوم في طلعته وهيبته وعلمه وعمله.. بدأ في الظهور في مدينة العلم والنور رفاعة الربة جافاها البليب طربان، محط تعليم المرأة في السودان.. رائدات التعليم بالبلاد نفيسة عوض الكريم وزهرة الفكي وسكينة أبو تركي وميمونة حميد.. ورفاعة جذبت الشعراء آبو آمنة حامد وهو يصف بنات رفاعة في رائعته (بنحب من بلدنا).. البظهر جمالن زمن الرضاعة.. ألحقوني أنا قلبي في رفاعة..
ورفاعة عالم الفضاء بروفيسور أحمد الفحل وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، والأديب الطيب صالح والشيخ لطفي، والأستاذ محمود محمد طه، وبابكر بدري وأولاد المليك، وأحمد علي جابر، ومحمد أحمد النور برير أول قاضٍ في السودان وميرغني النصري ومامون سنادة وإدريس البنا وشفيق الأزهري، وغداً ألقاك الهادي آدم والطرق الصوفية شيخ إبراهيم محيسي، وشيخ عبد الله وكاسر قيدو، والخليفة عثمان وشيخ الهدية.. وشاعر أنا سوداني محمد عثمان عبد الرحيم ونادي التاكا وميرغني الشايقي والفاضل سانتو وصلاح قريضة والفاضل نبق، وعمر محيسي، والنادي الأهلي وشاعر وردي كمال محيسي.. بشوف في شخصك أحلامي.. ودنيا تفيض بأنغامي.. وسحر الدنيا في عيونك.. يبعد عني أحزاني..
وسط هذا الجو الملبد بسحب الخلق والإبداع وخيرة العلماء والساسة وأعلام العلم والنور وجهابذة الاقتصاد والفضاء.. نهل صاحبنا من معين هذه المدينة الرائعة التي أنجبته وحضنته عبر مراحله الدراسية ليلتحق بالجميلة ومستحيلة أم الجامعات السودانية جامعة الخرطوم، ليتخرج في كلية الاقتصاد بمرتبة الشرف ومن ثم درجة الماجستير في الإدارة ليوظف كل طاقاته وقدراته ومواهبه وعلمه ليضع بصمته الأولى في هذه الروابي الكانت بلقع (رجل وحمارو)، لتتطور وتكتسي. إلى حلة زاهية من الاخضرار تزخرفها وتطوقها حقول قصب السكر المنتشرة هنا وهناك، والمشروع والمصنع الضخم يقفز من المحلية إلى العالمية وتحقيق الأرقام القياسية العالمية.. إنه قمر كنانة الذي أفل في الليلة الشاتية وغيبه الموت عنا وانتقل إلى الرفيق الأعلى ألا وهو عالم الاقتصاد والشاعر والأديب الأمين العام لسكر كنانة فريد عمر مدني.
اللهم أنزل عليه شآبيب رحمتك وأسكنه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا.