لقد ذكرنا في أكثر من مقال، أن السودان ظل موحداً في جغرافيته متماسكاً في مجتمعه لم تخترقه قبلية ولم تفتته جهوية، وذلك منذ التركية السابقة وحتى ظهور المهدية متخلقاً بأخلاق التصوف التي جعلت أهله أكثر تعاوناً وتكافلاً يكرمون ضيف الهجعة ويزيلون الوجعة ويستجيبون لصيحة الفزعة، وهم أهل النفير والقدح الكبير والصينية أم طبق الماها كوكتيل ورق، ويصنعون الطعام لأهل الميت ويساهمون في كشوفات الأفراح والأتراح واستمر الحال كذلك حتى الاستقلال وبعده مما جعل الشعب السوداني محترماً لدى كل الشعوب بصفاته تلك وللأسف أن هذه الصفات بدأت تتناقص وتتراجع مما أثر على تماسك المجتمع وتناقصت معها قيمة السوداني في الخارج والمسؤول الأول السياسة والسياسيون إلى أن جاءت الظروف الأخيرة فتطور التراجع والتناقص في أخلاق السودانيين وعلاقاتهم إلى صدامات قبلية وملاسنات ومسارات جهوية، أضحت تهدد السودان بأجمعه ونخشى أن يتمزق كما تمزقت بعض الدول من حولنا، فأصبحت القبائل تتعارك فيما بينها لأتفه الأسباب ويروح ضحية ذلك المئات من الأرواح، فرملت النساء ويتم الأطفال وحدث النزوح واللجوء وهلك الحرث والنسل، كما هو حادث في دارفور، وصارت القبائل تتحارب وتتقاتل دون إعمال الدين أو العقل أو الاستماع لكبير وفي الحديث:(لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَكْذِبُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا، وَيُشِيرُ إلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُه)، وبدأ ينتشر هذا الداء أي الصراع القبلي كالنار في الهشيم، فحدث في شرق السودان الشيء نفسه لأكثر من مرة فتواجه النوبة وقبائل الشرق، فكان ضحية ذلك الكثير من الأرواح كذلك بسبب أشياء لا قيمة لها وانتقلت العدوى إلى كثير من مناطق السودان لكنها بصورة أقل ولكن الذي كنا لم نتوقعه ولم يكن في بالنا أن تصل العدوى إلى شمال السودان فيخرج الجعليون يتحدثون عن الولاية الشمالية باسم القبيلة ناسين أن هذه الولاية تسكنها أكثر من قبيلة ونخشى أن تكون هذه بداية للفرقة وتمزيق القبيلة وتشتيت الولاية لأن القبلية ليس لها حد تقفُ فيه والمثل يقول:”إنَّ القبلية كالبصلة كلما قشرتها فستظل تقشر إلى حيث لا بصلة”، وكان الأفضل لأهلنا الجعليين أن يتحدثواْ باسم الولاية لضمان تماسك القبائل بها وكذلك برز من يتحدث باسم الشايقية مقدمين بعض المطالب للحكومة ونحن عندما وجهنا حديثنا للجعليين والشايقية لا لأنهم لم تكن لهم قبائل وحسب ونسب لكننا وجهنا حديثنا إليهم ظناً منا أنهم الأكثر تحضراً وثقافةً وأنهم بوابة الحضارة والفتوحات الإسلامية مما جعلهم يتميزون على بقية السودانيين كما كنا نظن أنهم آخر من يلجأ إلى القبلية لأنها من صفات الجاهلية وأنها نتنة ونذكرهم أي القبيلتين بأنهم هم الأكثر انتشاراً في السودان وهناك أكثر من قرية بكاملها في كردفان والنيل الأبيض والجزيرة هم من الجعليين والشايقية ومثل هذه التصرفات ليست من مصلحة من يسكنون في الولاية ولا من يسكنون في مناطق السودان الأخرى كما نذكر كل السودانيين إذا لم ينتبهوا إلى هذا الأمر الخطير ويصرون على السير في هذا المسار أي مسار القبلية فعلى السودان السلام، والله سبحانه وتعالى يقول:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) فاعتبرواْ يا أولي الألباب.