(أيقونات) الثورة.. تغيُّر المواقف
تقرير ــ نجدة بشارة
الوجوه تذهب من حيث أتت.. وتظل المواقف خالدة.. هكذا كان حال إيقونات ثورة ديسمبر، حيث تشكلت مواقفهم وبرزت شخصياتهم وتركوا بصمة واضحة في مسار الحراك
دافعوا.. ونافحوا باسم الشعب السوداني، ومن أدوارهم تسللوا إلى قلوب كل بيت وأسرة .. رغم ترابطهم الدائم في ميدان النضال حتى أسقطوا النظام السابق وتشكلت حكومة الثورة.
وبينما يمضي الوقت ظلت الأسماء والوجوه محفورة في أذهان الناس أيقوانات للثورة .. لكن يتساءل الشارع.. أين هم الآن وهل تغيرت مواقفهم وسرقت أحلامهم مثلما يتحدث الكثيرون عن سرقة الثورة.. أم ظلت مواقفهم ثابتة حتى اليوم؟
الأصم بين الأمس واليوم
محمد ناجي الأصم: طبيب سوداني، ولد في مدينة جدة السعودية، في 1987، أي قبل عامين من الانقلاب العسكري للرئيس المعزول عمر البشير على السلطة في 1989. بعد عودة أسرته إلى السودان، استقرت في مدينة الأبيض شمال كردفان، وفيها تعلم، بينما درس الطب في جامعة كردفان. قبل الثورة بأشهر، برز اسم الأصم ضمن سكرتارية “تجمّع المهنيين السودانيين”، الذي تبنّى في 25 ديسمبر2018 الحراك الثوري العفوي الذي بدأ في عدد من المدن السودانية، ومضى في توجيهه سياسياً وميدانياً، ورفع سقف المطالب إلى حد المطالبة بتنحي النظام.
في تلك الأثناء برز الأصم خطيباً في المنابر السياسية والإعلامية وعلى وسائط التواصل الاجتماعي، وفي 4 يناير 2018، اعتقلته السلطات الأمنية ولم يُفرج عنه إلا بعد سقوط نظام البشير في أبريل 2019 الماضي. ثم واصل نشاطه في ميدان الاعتصام، وفي وفد التفاوض مع المجلس العسكري، وألقى كلمة قوى “الحرية والتغيير” بعد التوقيع النهائي على الوثيقة الدستورية بعد تشكيل السلطة الجديدة لم يكن اسمه مطروحاً في مجلس السيادة ولا في مجلس الوزراء.
وفضل الأصم، مع قيادات تجمع المهنيين، عدم المشاركة في الحكومة، وتناقلت الوسائل الإعلامية ترجيحات تفيد بأن الأصم يجهز نفسه أو يُجهز، لمستقبل سياسي أكبر، أقله رئيس للوزراء، بعد أقرب انتخابات عامة في البلاد، بناء على التأييد الشعبي الذي يحظى به.
لكن اليوم يبدو أن مواقف الأصم تغيرت كثير، بدءاً من إعلان مقاطعته للعمل السياسي واستقالتة من تجمع المهنبين.. مبرراً اتجاهه للتفرغ للمهنة.. لكنه لم يصمد طويلًا حتى عاد مجدداً للأضواء لقيادة مجموعة انشقت عن تجمع المهنيين الأصل ومن مركزية الحرية والتغيير.. ابتعد فترة عن الأضواء السياسية رغم ظهوره بين الفينة والأخرى، موجهاً انتقادات لاذعة لأداء حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، أبرزها حديثه عن عدم التزامها بالوثيقة الدستورية، فيما يخص تعيين وزراء دولة في الحكومة.
وما زال الأصم على مواقفه رافضًا أي منصب بالحكومة الانتقالية حتى إنه تقدم باعتذار رسمي عن عضوية مجلس شركاء الفترة الانتقالية.
الكنداكة
في أوج الثورة وعنفوانها ظهر مقطع فيديو قصير، لفتاة ترتدي الثوب الأبيض رددت أبياتاً من قصيدة للشاعر أزهري محمد علي، وصوّرته إحدى الثائرات في ميدان الاعتصام في محيط قيادة الجيش في الخرطوم، هذا المقطع كان نقطة تحول في حياة الطالبة آلاء صلاح حوّلها من طالبة مجهولة، إلى أيقونة ورمز للمرأة في الثورة السودانية، كما جعلها تحصل على لقب “الكنداكة” وهو اللقب المرتبط بالملكات في العهد النوبي القديم. آلاء صلاح ولدت في عام 1996، بعد 7 سنوات من بداية حكم البشير، تدرس الهندسة والعمارة في جامعة السودان العالمية في الخرطوم. وأثناء تلاوتها القصيدة الثورية في ميدان الاعتصام، ارتدت في تلك اللحظة ثوباً أبيض مع حُلي تراثية تعود للعهد النوبي. استضافت عشرات القنوات العالمية آلاء التي شاركت وخطبت أخيراً في جلسة مفتوحة لمجلس الأمن الدولي حول المرأة والسلام والأمن، وبعد عام على الثورة رشحت آلاء ضمن 300 شخصية لنيل جائزة نوبل للسلام
ومؤخراً تساءل الكاتب الصحفي بكري الصائغ في عموده الراتب لماذا لم تدخل الكنداكة “آلاء صلاح” في تشكيلة الحكومة الجديدة حتى وإن كانت طالبة في الجامعة كنوع من التقدير والاحترام لدور الشباب في تغيير السودان للأحسن؟!!
وجاء رد آلاء لا أرغب في ذلك وأحلم بخدمة وطني في مجال تخصصي مفضلة أن يتولى المناصب الكفاءات المناسبة ذات الخبرة والمعرفة.
دسيس مان
الشاب محمد يحيى المعروف بـ”دسيس مان” أحد أيقونات الثورة ومؤلف أغانيها وأناشيدها التلقائية، ربما كان الرواج الكبير الذي حظي به دسيس مان إبان الثورة، جعله محط أنظار الجميع، وكانت أولى الشعارات: (بس إنت حاول بيت.. فرشة ومعجون نديك ..تلفون نشحنو ليك..)، لتتوالى بعد ذلك الشعارات التي ناهضت المجلس العسكري.
يعرف نفسه كجندي مفصول من القوات المسلحة السودانية، ظل يهتف بالألحان ليشجع الجنود عند الخروج للعمليات العسكرية، شارك في المظاهرات حاملًا هويته العسكرية وشعارات تغنت بها حنجرته لإسقاط النظام.
وكان “دسيس” قد أثار جدلاً واسعاً في أوساط أنصار قوى إعلان الحرية والتغيير، بمشاركته في احتفائية لقوات الدعم السريع بمناسبة تدشين قوافل صحية لبعض ولايات السودان، ظهر فيها وهو يردد أغنيته الشهيرة التي عدل فيها ( الدعم دعم دعماً دعما)، في أكتوبر 2019 اي عقب الثورة وسقوط النظام بعام.. وفي فبراير 2020 ألقي القبض على دسيس وأودع سجن أم درمان لمخالفته مادة في القانون الجنائي، وقضت محكمة جنايات الخرطوم وسط بسجنه مدة 4 أشهر والغرامة بمبلغ 10 آلاف جنيه.
ورغم ذلك يرى متابعون ان دسيس مان شريك أصيل في الثورة وقد فقد إبان مجزرة القيادة العامة عدداً من أفراد أسرته.
أحمد الضي
الناشط والإعلامي أحمد الضي بشارة، برز كأيقونة للثورة رغم أنه ظل مثيراً للجدل من خلال نشاطه على مواقع التواصل الاجتماعي، عبر بث الفيديوهات واللايفات التي يتشكل حولها رأي عام.
في 16 يوليو 2018، وقبل سقوط الحكومة السابقة بشهر واحد كان قد اعتقل تعسفياً، على أيدي عناصر جهاز الأمن والمخابرات الوطني.
لكن الشاهد أن الضي ظل بعد تشكيل حكومة الثورة منتقداً لأادائها ويواجه حالياً تهم تتعلق ببث مقاطع فيديو وتسجيل صوتي، يواجه من خلالها تهماً تتعلق بتقويض النظام الدستوري وتعريض أمن البلاد ووحدتها للخطر وإشانة السمعة، بجانب مخالفته لمواد أخرى من القانون الجنائي ويواجه تهماً تصل عقوبتها للإعدام أو السجن المؤبد.
بلدوزر الثورة
ذو النون عثمان، أحد أيقونات الثورة واشتهر بلقب بلدوزر الثورة.. تميز في الحراك بخطاباتة الحماسية التي طالما ألهبت الثوار وحركت الشوارع، وكان مشاركاً بلايفاته التي ساعدت كثيراً في إسقاط الحكومة، وأصبحت له شعبية كبيرة،
عاد إلى البلاد في أبريل 2019 واستقبله الثوار بمطار الخرطوم في موكب مهيب لكن شعبيته الكبيرة انقلبت عليه واتهم بانتمائه للكيزان أو للمؤتمر الشعبي، وتعرض ذو النون للاعتداء من قبل لجان مقاومة بسنار في زيارته للولاية لتقديم الدعم الصحي إبان جائحة كورونا الأولى.
ثم واجه اتهامات تضاربت حول خبر إلقاء القبض عليه في جبل أولياء بقضية تتعلق بالمخدرات والخمر في أغسطس 2020م.
البرنس هيثم
من بين النجوم الذين وقَّعوا على دفتر الحضور بالقيادة، وكانوا من ضمن أبرز الذين وضعوا بصمة خالدة عبر مشاركتهم الفعالة في نجاح الثورة والعمل على إشعال الحماس، كابتن الهلال السابق هيثم مصطفى، الشهير بـ(البرنس) ورشحه أغلب المتابعين للحراك الثوري لتقلّد منصب وزير الشباب والرياضة، ولكن لم يكن ضمن الأسماء، ولم يشارك في أي حقيبة شبابية بالحكومة الانتقالية.
ومؤخرًا تداول ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي، أن لجنة إزالة التمكين فتحت بلاغاً ضد البرنس.. على خلفية انتتقاده في برنامجه على موقع التواصل الاجتماعي (يوتيوب)، (ملعب البرنس)، طريقة أداء اللجنة، ووصفها بعدم الدقة في بعض المعلومات والأرقام التي يذكرها عضوا اللجنة صلاح مناع ووجدي صالح.
لكن إزالة التمكين نفت تدوين بلاغ ضده، وأوضحوا أن بلاغاتهم دائماً تكون ضد فلول النظام المُباد ورموز الفساد، وليس ضد “أيقونات الثورة”. ووصفوا هيثم مصطفى بأنه رمز من رموز ثورة ديسمبر.
هولاء بعض من الأيقونات ونجوم الثورة الذين لمع نجمهم مع ثورة ديسمبر، بعضهم الآن يواجه بلاغات وقضايا جنائية.. والبعض ترك السياسة وآثر الحياة المهنية، فيما ظل آخرون يواجهون الإصلاح والتغيير.. لكن رغم ذلك يظل الشارع يحفظ نضالهم ووقفتهم حتى تغيير النظام المباد.