Site icon صحيفة الصيحة

 سراج الدين مصطفى يكتب.. إلى وزير الشؤون الدينية والأوقاف

مؤذنو السودان.. ضرورة دراسة المقامات الموسيقية

(1)

لستُ في مقام التذكير بأهمية شعيرة الصلاة.. فهي معلومة بالضرورة ولا تحتاج للتأكيد على أهميتها كركيزة أساسية في حياة أي مسلم.. وطالما أنها ذات أهمية قصوى من المفترض أن تكون المناداة لها بذات قدرها وقيمتها.. فمن ينادي للصلاة من المفترض أن يمتلك صوتاً ندياً وسليماً ومعافى من كل العيوب الأدائية التي تتيح له النداء بصورة فيها قدر من البراعة والجمال..

ففي حقيقة الأمر، أن معظم مساجدنا تهمل جانب الصوت الندي والجميل الذي يفترض توافره عند أي مؤذن يصدح بالأذان.. ولكن الواقع يقول غير ذلك تماماً، حيث نجد أن معظم المؤذنين أصواتهم قبيحة وطاردة ولا ترقى للنداء لشعيرة هامة كالصلاة.

(2)

بتقديري اتفقت كل الروايات على أن من يقف خلف المايكروفون من المفترض أن يكون صاحب صوت جميل وجاذب.. وهنا لا يفترض المؤهل الأكاديمي.. وذلك تأكيداً لموقف نبينا الكريم حينما أبعد الصحابي عبد الله بن زيد لصالح بلال بن رباح، وقد اتخذه النبي محمد مؤذنًا لما شُرع الأذان، فكان بلال أول من أذن، وهو أحد ثلاثة مؤذنين للنبي، محمد ابن أبي محذورة الجمحي وعمرو بن أم مكتوم، فكان إذا غاب بلال أذّن أبو محذورة، وإذا غاب أبو محذورة أذّن عمرو بن أم مكتوم. ويوم فتح مكة، أمر النبي محمد بلالاً بأن يعتلي الكعبة، ويؤذّن فوقها، ففعل..

(3)

وما كان ذلك ليكون لولا جمال صوته الذي كان يتصف بميزات جمالية نادرة تمثلت في كونه يمتلك صوتاً رخيماً وقوياً وممتلئاً بالوقار والكبرياء.. وبعيد جداً عن الصوت الناشز وهو الصوت الجارح للأذن والذي يتقاطع مع الذوق ويبعث  في النفس الاشمئزاز والنفور ويتحرك بعيداً عن الحبال الصوتية والوترية، كان بلال بن رباح صاحب صوت جهور يتسم بالوضوح في مداخل الكلمات ومخارجها ويتسم بالصفاء والنقاء وخالٍ من العيوب الأدائية الصوتية.

(4)

توقفتُ في نموذج بلال بن رباح، للتأكيد على أهمية دور المؤذن الذي تفترض فيه قدرات محددة أهمها توافر الصوت الندي الذي يمتاز بالجماليات والقدرة على التنغيم والتطريب.. وتوافر تلك الشروط والمطلوبات هو مسؤولية وزارة الشؤون الدينية والأوقاف التي يديرها الوزير نصر الدين مفرح وهو شاب صاحب عقلية منفتحة وليس متحجراً..

ومن المهم أن يتوقف في قضية (قبح بعض أصوات المؤذنين) وأن يقتدي بتجارب قريبة مثل جمهورية مصر العربية التي تضع مواصفات خاصة للمؤذن من بينها (شهادة المتوسط) وجمال الصوت ونداوته مع معرفة بالمقامات الموسيقية.

(5)

حيث تركز تعليم المؤذنين على التعريف بالمقامات الموسيقية.. وأهمها مقام (السيكاه) وهو من المقامات العامة في الموسيقى العربية ويرتكز عليه الكثير من الموروث العربي والموسيقي.. وكل ذلك يعني بالضرورة دراسة (السلم الخماسي) الذي تتميز به الموسيقى السودانية تحديدًا ويعبر عن هويتنا الثقافية فيما يخص التركيبة النغمية.

(6)

صحيح أننا لا ندعو لتوحيد صوت الأذان وبرمجته عبر أجهزة رقمية، فذلك يقتل الإحساس والتجديد والتنويع.. ولكن هذا لا يمنع من وضع اشتراطات صارمة تجعل من المؤذن في السودان صاحب صوت يمتاز بالطلاوة والنداوة والجمال مع توفير كورسات تأهيلية للمؤذنين مع كلية الموسيقى والدراما قسم الصوت.. فعن طريقهم يمكننا بناء جيل جديد ومختلف من المؤذنين.. فهذا الأمر يحتاج أيضاً لثورة وبعث مفاهيم جديدة حتى تتكئ الأجيال القادمة على ذاكرة معرفية ذات ثراء وتنوّع.

Exit mobile version