مع تشكيل الحكومة الجديدة، توقّع الناس أن تنخفض أسعار الدولار. ويبدأ الجنيه في استعادة عافيته بالتدريج .
لكن حدث العكس تماماً، واستمرّ الجنيه في الهُبُوط والانهيار إلى مُستويات غير مَسبوقة، حيث ارتفع الدولار في اليوم التالي من إعلان الحكومة إلى أكثر من 400 جنيه.
المُضاربون أصبحوا أقوى من الحكومة، يتحكّمون في العرض والطلب وتحديد السعر كيفما يشاءون.
صحيحٌ أنّ عدم وجود موارد للنقد الأجنبي يمثل أس المشكلة، والصحيح أيضاً أنّ الحكومة لم تتخذ من السياسات ما يدخل عُملات صَعبة إلى البنك المركزي، بخلاف انتظار المنح والقروض الخارجية، التي كانت نتائجها صفرا كبيرا.
ومُشكلة ارتفاع الدولار بما يظهر الآن تتمثل في فتح باب الاستيراد لكل شئ رغم الشح.
الحكومة استمرّت في نفس نَهج النظام البائد فيما يختص باستيراد عددٍ من السِّلع. فمثلاً استيراد السُّكّر كان يتم بواسطة أشخاص نافذين ووزراء في الحكومة وأبنائهم، تحت ذرائع وجود فجوة في الإنتاج المحلي، ولتثبيت الأسعار.
لكن الواقع تجاوز وقتها سَدّ الفجوة وأصبح من أكثر السِّلع التي تجد الطريق سالكاً للتهريب إلى دول الجوار .
المستوردون النافذون، حقّقوا مكاسب غير منظورة بسبب تمتع شركاتهم بالامتيازات الكبيرة والإعفاء من الرسوم.
برغم أنّ شركات الإنتاج الوطني أثقلت بالرسوم، وعانت من الارتفاع المُستمر في تكلفة الإنتاج.
الأسابيع الماضية زادت الحكومة من ضريبة القيمة المُضافة للإنتاج المحلي بزيادة 109 جنيهات للجوال. فيما كانت المُفارقة غير المنطقية بفرض رسم على المستورد بواقع 41 جنيهاً للجوال. رغم ما تقدِّمه الصناعة الوطنية من قيمة مضافة للاقتصاد، فيما تذهب أرباح المستورد إلى جيوب أشخاص.
هل تعلم الحكومة أنّ البلاد تستورد مليون و600 ألف طن سنوياً، بقيمة 712 مليون دولار. تمثل 12% من الطلب على الدولار. لتأتي في المرتبة الثالثة بعد قيمة استيراد القمح والوقود.
تُشير التقديرات إلى أنّ 70% من الورّاقة لحصائل الصادر تذهب لاستيراد السكر، لجهة الأرباح العالية التي يحققها والسرعة في التدوير.
هذا الوضع المُشوّه يُمكن التخلُّص منه بقليلٍ من الإجراءات التي يُمكن أن ترفع الإنتاج من المصانع المحلية، وبتكلفة قليلة.
يُمكن أن تأخذ وزارة الصناعة سكر النيل الأبيض كمثال لعمليات التطوير وذلك لما للمشروع من فُرصٍ. إذا ما تم تنفيذ خُطة إعادة المشروع، والتي تعتمد على زراعة جديدة لنحو 20 ألف فدان سنوياً، وصيانة المصنع وتشغيل خط الإنتاج الثاني، وتأهيل نظام الري بما يُمكن من إنتاج 360 ألف طن سكر عالي النقاء في العام. تمهيداً للوصول إلى ما يُمكن من الطاقة التصميمية للمصنع بإنتاج 450 ألف طن سكر .
مع استمرار تكرير السكر الخام من المُتوقّع أن يصل الإنتاج إلى 550 ألف طن. الخُطة الأساسية تتطلب 136 مليون دولار حسب دراسة بيت خبرة عالمي.
هذا بخلاف إنتاج بقية المصانع. كنانة وشركة السكر السودانية.
قطاع السكر من المُفترض أن يُحظى بالأولوية بعد قطاع المطاحن في أجندة وزير الصناعة الجديد إبراهيم الشيخ حتى تتمكّن الدولة من إيقاف نزيف العملات الحرة التي تذهب لاستيراد السُّكّر.
somiasayed@gmail.com