عبد الحفيظ مريود يكتب.. غزلٌ شيوعيّ
قد يكونُ على وجه الأرض، بعدُ، من لا يؤمنُ بأنَّ الأرض تدور حول نفسها وحول الشمس. أو كما كان يقولُ ابنُ باز. كفرٌ بواح. فالشمسُ هي التي تدور حول الأرض، بمصداق القرءان. لكنَّ ابن باز، أو “بنباز” لم يغيّر عقائد الكثيرين، ممن وصلهم اليقين بأنَّ الأرض هي التي تدور. ولا يجدون مشكلةً كبرى في فهم الآية المرتكز، في سورة يس، مثلاً. ينظرون إلى ابن باز وغيرهم ممنْ ورثوا علوماً “قديمة”، أو فهوماً لا تتطابقُ مع منطق الزّمان، بإشفاق. يتوجّبُ إعذار ابن باز وأمثاله. هكذا يقولُ المنطق والعلم. لنْ توقف الأرض دورانها لأنَّ هناك 7 مليارات من بني آدم لا يؤمنون بذلك. بمثلما يملؤنا اليقين بأنّها لن تفعل ذلك لأنَّ في الأرض – مثلاً – عشرين مليار بغل، حمار، فرس، جمل…الخ لا يعرفون أنّهم يعيشون على ضهرها. فتلك خياراتٌ غير مهمّة في السُّنن الكونيّة، كما يقول العارفون.
في الصّدامات الكبرى بين الأفكار، يقفُ الشيوعي السّوداني في صفّ الغلابة والمستضعفين. خياراتُه دائماً مع الشّعب. سواءً كانتْ مصلحته تقتضي ذلك أم لا. لكنّه في الفرز النّهائي، يبدو موقفاً مكلّفاً جدّاً. يجعلُ الحزب يراوحُ مكانه ويخسر باستمرار في لهاث المكاسب السياسيّة. هل يمكنُ التفكير في ذلك على أنّه جمود في آليات إنتاج المعرفة لدى الحزب والمنظّرين له؟ أم هو موقف لا تفاوض حوله، بأيّ حال من الأحوال، لدرجة أنّه يشكّل – هو وغيره من مبادئ الشيوعيّة – عقائدَ راسخة، تقتربُ من أنْ تكون ديناً؟ من المؤكّد أنَّ الحزب – بوجهٍ من الوجوه – لا يخلو من “بنبازيّة”، ولو قليلاً.
كيف ينظرُ الشّيوعي لإمكان أنْ يكون نصيراً للشّعب، في الوقت الرّاهن؟ التساؤلُ ليس – بالضّرورة – عن الإمكان الفلسفي، بل الإمكان العملي. بمعنى كيف يخطّط الشيوعي ليكون مَنْ سيستنصرُ به الشّعبُ في محنته اليوم، فيما يتّصلُ بالوحوش التي تتنازعُ جسده وفكره؟ كيف يمكنُ للشيوعي أنْ يوفّر الغاز، بسعرٍ مخفّض، الدّقيق والخبز بسعرٍ يتناوله السّاعي في أيّ مؤسّسة حكومية أو خاصّة، دون أنْ يضرب أخماساً في أسداس، أنْ يوفّر تعليماً كفؤاً ومجانيّاً، وعلاجاً للشّعب، ملح الأرض؟
لنْ يجدَ المفكّرُ الشّيوعيُّ السّودانيُّ – بفرضِ أنَّه كان هناك واحد، مثلاً – غير أنْ يقدِّم مسرداً طويلاً لهيمنة الرأسمالية وسياسات البنك الدّولي. وسيقول كلاماً حول إرجاع مشروع الجزيرة لسابق عهده، وأنْ تتبنّى الحكومةُ سياساتٍ تصبُّ في مصلحة الشّعب. وذلك هو بالضّبط ما يجعل أيّ أحدٍ من الشّعب لا يعيرُ الخطابَ الشّيوعي أذناً صاغية. يشبه ذلك موقف الشّيوعي من حزمة المفاهيم التالية: العدالة، المحكمة الجنائيّة الدّولية، الدّيمقراطية، التّداول السّلمي للسُّلطة، وغيرها. ثمّة أدبيات وكلام كثير سيقولُه المفكّر الشّيوعي ليبطل به ما يجري، الآن وهنا، ويبيّن خطره وفقره. لكنّه لا يجرؤ على تقديم البديل عمّا يجري.
موقفه – دائماً – سليم مائة بالمائة، فيما يتعلّق بنقد السّلوك السياسي للآخرين. هو ضدَّ الهبوط النّاعم. لأنّه يرمي البلاد في أحضان الليبراليّة. الرأسمالية. الهيمنة. لكنّه يعجزُ عن اجتراح أفقٍ مغاير. هو يعلمُ انْ لا محيص عن تأسيس توافق وطني. وذلك يعني الانتقال عتبةً من خانة التجريم، لكنّه لا يستطيعُ إلّا أنْ يجرّم.
كلُّ مَنْ يقول بكروية الأرض ودورانها حول الشّمس، كافرٌ. لم يسعفِ المنهج الشيخ بن باز. ولم يسعف الشّيوعي السُّوداني، أيضاً. وذلك ما يجعلُه متجهّماً في صالات الأعراس. حردان العشاء وزجاجة الكولا، التي هي علامة رأسمالية. لا يطربه المغنّي ولا الفتيات الجميلات، ولا يعرف كيف يجامل. لذلك يظنّه الجميع حاسداً للعريس، لا أكثر.