:: ناهيكم عن الدول المستقرة سياسياً واقتصادياً، بل حتى في اليمن وسوريا وليبيا وغيرها من الدول التي تضج بمآسي الحروب، يتم توزيع الصابون والمنظفات الأخرى في المدارس طوال العام الدراسي (مجاناً).. نعم مجاناً، كما الكتب المدرسية، لوقاية الطلاب من مخاطر جائحة كورونا.. ولكن في بلادنا، حيث موطن الغرائب، فمع استئناف العام الدراسي، ورغم أنف الجائحة، تم فرض رسوم – 10% – على الصابون والمنظفات الأخرى..!!
:: رسم الإنتاج من الرسوم الجديدة، أي من رسوم ما بعد الثورة، تنفذها هيئة الجمارك، تتراوح ما بين (10 – 20%)، نصيب مصانع الصابون والمنظفات (10%)، تم فرضها بالتزامن مع حث المواطن على النظافة.. لا تشعر السلطات بالتناقض حين تناشد المواطن بغسل الأيدي – للوقاية من كورونا – ثم تفرض الرسوم على الصابون والمنظفات، وكأنها دعوة لغسل الأيدي بالأحجار، أو هي دعوة لضخ الرسوم – في خزينة الدولة – بكثرة الاستهلاك..!!
:: ولعلكم تذكرون، في سبتمبر العام الفائت، عندما فاجأ بنك السودان، الرأي العام بإضافة مدخلات صناعة التبغ والسجائر إلى قائمة السلع الاستراتيجية المسموح استيرادها من حصائل صادر الذهب والسلع الأخرى، فغضبت الصحف ومجالس الناس، ليتراجع بنك السودان عن القرار المعيب.. لو لم تغضب الصحف والرأي العام، لظل السجائر من السلع الاستراتيجية، وليس من الكماليات، أو كما تم تصنيف الصابون والمنظفات في (زمن كورونا)..!!
:: من أوعزوا لبنك السودان بوضع السجائر في قائمة السلع الاستراتيجية، هم من أوعزوا لهيئة الجمارك بوضع الصابون والمنظفات في قائمة السلع الكمالية، ليتم فرض الرسوم عليها وترتفع أسعارها، بحيث تكون بعيدة عن مُتناول الفقراء، وهم أكثر الفئات عرضة لكورونا والكوليرا والإسهالات وغيرها من أمراض التلوث.. والمؤسف، كل رسوم الإنتاج الملقاة على كاهل المواطن، عبر مصانع الصابون وغيرها، لم تمر عبر المجلس التشريعي المؤقت..!!
:: وزير الصناعة، إبراهيم الشيخ، ليس بغريب على عالم الصناعة ودنيا المصانع.. ولأنه قادم من السوق يعرف آثار هذه الرسوم وغيرها على المستهلك.. والأمين العام لاتحاد الغرف الصناعية، أشرف صلاح، أطلق تحذيراً إعلامياً في الأسبوع الماضي، بحيث قال بالنص: (الصناعات المحلية تأثّرت برسوم الإنتاج المفروضة على المصانع، ونتوقع ارتفاعاً كبيراً في الأسعار)، فهل ينتبه الشيخ لهذا التحذير ويلفت انتباه وزير المالية، بحيث يرحم المواطن..؟؟
:: لا توجد إحصائيات دقيقة بعدد المصانع المتوقفة عن الإنتاج، وربما ضخامة العدد تحول بينها وبين الإحصاء الدقيق.. كثيرة هي المصانع المتوقفة بسبب الجبايات وفواتير الكهرباء وأهوال أخرى عجزت عن حملها المصانع.. وبالمناسبة، كثيراً ما يتحدث وزير المالية عن الإبادة الجماعية، ويظن أنها تمت بدارفور فقط.. ولكن لو زار الباقير – والمناطق الصناعية الأخرى – سوف يتفاجأ بإبادة جماعية أخرى لم تكن في خاطره.. وهي المصانع المهجورة..!!
:: ليت جبريل والشيخ، خصّصا أسبوعاً للتجوال في المناطق الصناعية.. هناك مئات المصانع، بعد أن كانت مصادر رزق لمئات الآلاف من الأُسر، ولعجز أصحابها عن تكاليف التشغيل ومنافسة السلع المستوردة، تحوّلت إلى أوكار مهجورة.. لا يوجد قانون يحمي الصناعة الوطنية من السلع المستوردة وجبايات الحكومة، ولا توجد سياسات تدعم الإنتاج الوطني – ولو بالقليل – بحيث ينافس الأجنبي بالجودة والأسعار.. لا يوجد شئ، غير المزيد من الرسوم..!!