جيولوجي: لا يوجد تنسيق بين الجيولوجيا والتخطيط العمراني
معلم: مدرسة تحوّلت إلى أشلاء وبيوت أصبحت تحت الأرض
مواطنون: القطع السكنية تُوزّع في أماكن غير صالحة للبناء
أحياء شهيرة في بورتسودان تغمرها المياه السطحية، وهي مياه قريبة من سطح الأرض تؤدي إلى تصدعها باستمرار، فتصبح كأنها أحياء غارقة، وأحياء أخرى تنهكها الرطوبة العالية، فتعمل على تصدعها باستمرار وتحتاج إلى صيانات دورية تكبد قاطنيها ملايين الجنيهات في ظل ظروف بالغة الصعوبة ..
أحياء مثل الثورات وترب هدل وسلالاب، يعاني سكانها من ظروف المدينة الطبيعية، حيث تعرف مدينة بورتسودان برطوبتها العالية ..
وهي أشبه بمدينة تئن تحت وطأة المياه من تحتها ومن فوقها ..
تحقيق – محيي الدين شجر
عادل عثمان الصولي رئيس لجنة نقابة التعليم التسييرية بالبحر الأحمر من سكان حي سلالاب، قال إنهم يعانون من المياه القريبة من سطح الأرض، ومن ارتفاع رطوبة المدينة، وأشار في حديثه لـ (الصيحة)، إلى تصدع وسقوط المئات من البيوت في الحي، وقال إن حياً مثل “برشلونة” ويقع في البر الشرقي من المدينة، قد تأثر تأثراً جسيماً وانهارت معظم مساكنه بسبب الرطوبة ومياه السطح القريبة، وقال إن مدرسة ابتدائية بمربع 6 سلالاب انهارت تماماً وغمرتها المياه.
وأضاف قائلاً، إن أحياء الثورة وديم النور والامتداد وأحياء سلالاب وشقر وديم مايو وبرشلونة وسلبونا، كلها متأثرة بالرطوبة العالية، وذكر أن الجزء الشمالي من المدينة أقل تأثرًا مثل أحياء الإنقاذ وفلب وحي الشاطئ وترانسيت وديم النعيم وبعض أجزاء حي المطار ..
حي الثورة
يقع حي الثورة في الجزء الشرقي من المدينة، والزائر للحي يلحظ بوضوح تشقق مساكنه وتصدّعها وآثار المياه عليها بسبب الرطوبة التي تنزل مثل المطر، ولقد رصدت (الصيحة) آثار المياه في جدران المنازل وحجم الترميمات التي يقوم بها الأهالي باستمرار، وقال المواطن عثمان عبد الله، إنه ينفق ملايين الجنيهات سنوياً لصيانة منزله، وأوضح في حديثه لـ (الصيحة)، أن منطقة الثورة لا تصلح للسكن، وإن كان يعلم بطبيعتها لما اشترى منزلاً فيها، وأوضح أن المياه السطحية على عمق متر واحد ..
دراسة جيولوجية
الجيولوجي عمار سيد أحمد شليعة مدير سابق لجيولوجيا البحر الأحمر، ذكر بأنهم أجروا دراسة ومسحاً لمدينة بورتسودان من البحر للحجر عام 2007 ووجدوا أن المدينة متأثرة بدرجة رطوبة عالية تصل 100% في شهري يناير وفبراير، وتقل درجة الرطوبة في شهري يوليو وأغسطس، وتصل 20% مع ارتفاع شديد في درجة الحرارة، وقال إن بعض الأحياء لا ينفع البناء فيها بالأسمنت العادي ولهذا يفترض أن تبنى بالأسمنت المقاوم للرطوبة وبالجبص، وذكر أن حي الأغاريق مبني كله بالخشب، ولهذا نجد أن هنالك أحياء مثل سلبونا مبنية بالخشب ..
وأشار في حديثه لــ (الصيحة) إلى افتقار التنسيق بين الجيولوجيا والتخطيط العمراني حتى لا يتم توزيع أراضٍ سكنية في المناطق التي توجد فيها مياه سطحية متر تحت سطح الأرض كحي الثورة وبعض مربعات سلالاب ..
وقال إن بورتسودان كلها متأثرة بالرطوبة، مشيراً إلى أن بيوت ورشة الحوض التي تقع شرق المدينة بناها الإنجليز عام 1925 بالحجر ونجدها تأثرت أيضاً لأن الرطوبة تنخر الحجر أيضاً ..
وحول المياه السطحية بأحياء المدينة، قال إنها تتراوح ما بين متر واحد وعشرة أمتار، مبيناً أن بناء المساكن فيها يتطلب كلفة عالية جداً، مشيراً إلى سقوط مئات المنازل بسببها، وقال إن بعض البيوت هوت إلى باطن الأرض، وأشار إلى خطأ توزيع أراضٍ سكنية فيها لأنها تتطلب إمكانات ضخمة، لا تتوافر عند المواطنين العاديين ..
وقال شليعة، إن كل المدن الساحلية تشبه مدينة بورتسودان في طقسها من حيث الرطوبة العالية، وقال إن الدار البيضاء سُمّيت بهذا الاسم لأنها بيضاء اللون نتيجة بنائها بالخشب والجبص ..
ملايين الصيانة
الخبير الاقتصادي نصر الدين عمر قال، إن الأموال التي تُصرف في ترميمات المنازل سنوياً أموال ضخمة جداً، وتعتبر أموالاً مهدرة لأن الرطوبة العالية بمدينة بورتسودان تؤدي إلى هدم المنازل سنوياً، وقال إن الظروف المناخية تلعب دوراً كبيراً في تحديد العديد من مظاهر المسكن، كاختيار الموقع، ومواد البناء المستخدمة، وعند تصميم المباني لا بد من الأخذ بالاعتبار العناصر المختلفة من ضوء ودرجات حرارة ورطوبة، وكمية التساقط والمياه السطحية وسرعة واتجاه الرياح.
مشيراً إلى أن البناء يتم دون دراسات، ولهذا نجد أحياء كثيرة بمدينة بورتسودان هوت بسبب الرطوبة والمياه السطحية القريبة من الأرض ويحتاج ملاكها إلى ملايين الجنيهات لترميمها كل عام ..
بيوت خشبية لماذا؟
تحدث لـ (الصيحة) عدد من سكان سلبونا بالبر الشرقي من المدينة، وقالوا إن مساكن حي سلوبنا ومنذ قديم الزمان يتم بناؤها بالخشب لأنها منطقة تكثر فيها الرطوبة العالية لقربها من البحر، وأشاروا إلى أن الخشب لا يتأثر بالرطوبة مثل طوب البلك الذي لجأ إليه سكان المدينة.
وقال أحد السكان ويدعى عبد العظيم محمد أحمد، إن كثيراً من البيوت الجديدة في منطقة سلبونا تم بناؤها بطوب البلك نسبة لارتفاع أسعار الخشب، وأشار إلى أن البلك المستخدم بصورة واسعة بمدينة بورتسودان يتشقق بالرطوبة ولا يصمد أمامها، ولهذا تسقط البيوت وتتهدم مع مرور الزمن.
برشلونة
من الأحياء التي تتأثر بالمياه السطحية بمدينة بورتسودان ما يطلق عليه أسم برشلونة، وهو حي قريب من البحر، ولدى زيارتي له، وجدت أن عددًا مقدرًا من مساكنه تهدمت واضطرت الأسر إلى هجره والسكن في مناطق أخرى، وحدثني أحد المواطنين بأنه باع بيته منذ فترة طويلة لأنه عجز عن صيانته.. حيث رصدت (الصيحة) تهدم المنازل وسقوط جدرانها.. تابع (صور من الحي ).
سقوط مدرسة
ومن المدارس التي تأثرت بالمياه السطحية مدرسة سلالاب بنات، حيث غمرتها المياه من رأسها حتى أخمص قدميها، وأصبحت بالتالي غير صالحة.. (انظر صور المدرسة) ..
طوب غير مناسب
تحدث مقاول البناء بمدينة بورتسودان سامي العالم لـ(الصيحة) قائلاً، إن المدينة تعتمد في البناء على طوب البلك، وهو غير مناسب في أجواء بورتسودان ــ على حد قوله ــ وذكر أن الطوب المناسب هو الطوب الأحمر لكنه غير متوفر ببورتسودان، وذكر أن الرطوبة العالية والمياه السطحية أدت إلى انهيار مئات المنازل بالمدينة.. وذكر إن معظم أحياء بورتسودان كانت مبنية بالخشب، لكنهم لجأوا لطوب البلك بعد ارتفاع أسعار الخشب ..
وأوضح أن الترميمات تكلف المواطنين أموالاً طائلة، مبيناً أن أحياء الثورة وسلالاب وبرشلونة وديم النور وكل الأحياء القريبة من الساحل غير صالحة للسكن ..