ويسرح بي الخاطر..
فهو يَكثر من السرحان – هذه الأيام – هرباً من الواقع..
ولكنه سُرعان ما يعود إلى الواقع الأليم هذا؛ كسيفاً…. أسيفاً…. حزيناً..
وهو في هذا ربما شابه خاطر الشاعر إذ يقول :
إذا الخاطر سرح عنك…
تأكّـــد أنّه راح لـــــيك…
وهوَّم في رُبى الأحلام…
قريــــــــب مـــــــــنك…
ومن بين ضباب السنوات – وعتمة دروب الذاكرة – يلوح لي شبحٌ من بعيد..
حتى إذا ما اقترب تمثل لي بشراً سوياً؛ اسمه نوح..
وهو زميل دراسة من أيام الأطلس… والشورت… وليالي الأدب..
فاسم نوح يكثر – منذ فترة – في سماوات يقظتي… ودنياوات أحلامي… ومثيرات إسهاري..
والبارحة يُجادلني أحدهم في عُمر نوح..
فهو إن كان لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً – يقول – فهذا يعني أنهم مُعمّرون..
وأقول له: قياس منطقي معلول؛ ولا يصح هنا..
والدليل من القرءان نفسه؛ فأولاً إن كان الأمر كذلك لما ذكر الله عمره هذا في كتابه..
ثم ثانياً؛ لما قال على لسانه (إن كان كبر عليكم مقامي)..
أي إن رأيتم أن مكثي بينكم قد تطاولت سَنواته…. ولكن مُحدِّثي يصر على المُجادلة..
تماماً كما كان يصر حمدوك على (رجال حول الرئيس)..
وكما كان يصر – قبلاً – على الفاشلين من وزرائه؛ رغم تنبيهنا المُستمر إلى فشلهم هذا..
وكما يصر الآن على البقية الفاشلة منهم..
وكما يصر – أيضاً – على سياسة (مَدّ البصر) إلى ما وراء البحار انتظاراً لفرجٍ لا يأتي..
وهذا بعضٌ من مُسبِّبات هربنا من الواقع هذا..
ولكنه هروبٌ لا نقدر عليه؛ كما لا نقدر على ما يجلبه لنا من غيهب متاهاته..
ومن هذا المجلوب – قسراً – اسم نوح..
فمن بعد رفيق الطفولة نوح….. وعمر النبي نوح…… تأتيني سفينة نوح..
أو يحاول أن يأتي بي أنا إليها قريبنا المهندس عثمان النوش..
إلى حيث اقتنع بأنها هي… هناك في مدينة القولد؛ بشمالنا النوبي..
مستعيناً في مُحاولة الإقناع هذه بالصور… والحيثيات… والمُقاربات… وحتى الآيات..
فمردة (جودي) – يقول – هي نوبية الأصل؛ وتعني الطين..
والذي حال بين عقلنا وجهد الاستيعاب هو ذاته الذي يحول بينه وبين (عدم سرحان الخاطر)..
فسفينتنا وحلت في (جودي) لزج؛ لا تقدر على الفكاك منه..
وإذا ساعدنا ربانها حمدوك بسماع النصح – والتّخلِّي عن (شُلّة) الفشل – فربما تنطلق..
وحينها نصيح: بسم الله مجراها….
ومرساها !!.