والي الخرطوم لم يكن حصيفاً وهو يحاول أن يرضي مرؤوسيه باستهداف الفنانين!!
اختلفنا أو اتفقنا حوله، يظل الفنان عاصم البنا واحداً من نجوم الساحة الفنية عالياً، ومن أكثر المطربين طلباً في الحفلات العامة والخاصة، وظل على مدار سنين طوال ملمحاً أساسياً من برنامج أغاني وأغاني الشهير، ويمثل ركناً مهماً من محتوى البرنامج، لذلك يمثل غيابه سؤالاً كبيراً عن الأسباب التي دفعته للاعتذار عن المشاركة في النسخة القادمة من البرنامج التي سوف يبدأ تسجيلها في العشرين من هذا الشهر دون عاصم البنا.
بعض الرحيق وضعت أمام عاصم البنا العديد من الأسئلة حول القضايا التي تشغل الساحة الفنية حالياً فأجاب الرجل بقوة وبصراحة متناهية.
حوار: سراج الدين مصطفى
ــ بعد أن أصبحت ملمحاً رئيسياً ومعتاداً في برنامج أغاني وأغاني لماذا الاعتذار المفاجئ؟
الاعتذار عن المشاركة في النسخة القادمة من أغاني وأغاني، يعود في تقديري إلى أن البرنامج صار لا يحتاج لنا كما كان في الوقت السابق، وأنه أخذ ملمحاً يختلف عن ما اجتهدنا لأجله، زيادة من عقد من الزمان حيث أنه فقد الملمح والثبات على المضمون الذي قام لأجله.
*هل توافقني بأن البرنامج سيتأثر فقط بغياب الأستاذ السر قدور ولا أحد غيره؟
البرنامج يعتمد بشكل كلي على عنصرين أساسيين في تقديري المتواضع الأستاذ السر أحمد قدور، وهو شخصية مفصلية تتحكم في كيف يقدم البرنامج من واقع خبرته الثرة والمعروفة للكافة، والثانية كيف نؤدي الأغاني وهذه تتوقف على التيم المشارك الذي يجب أن تربطه الصداقة النظيفة مع المجايلة الحقيقية، وهنا تكمل الأطراف بعضها.
ــ إذا طلبنا روشتة أو وصفة لعلاج هذا البرنامج ماذا ستكتب فيها؟
الروشتة سوف أكتب فيها، هذا البرنامج يحتاج إلى تنفس صناعي عاجل إذا أمكن، وذلك بسبب الخنق والنرجسية وحب التملك الذي كاد أن يقضي عليه، وهو ليس سلعة تباع وتشترى، وأقول إن أهدافه الحقيقية تعاهدنا عليها كمؤسسين رفقة أخونا نادر خضر (رحمه الله)، وبقية الإخوان والأخوات لهم الصحة والعافية، هذا البرنامج صار قبلة للشباب، وعهدنا كان أن نخلق منصة تقاوم الغث والمبتذل من الغناء، حتى نستطيع أن ننمي مهارة الاستماع ونكثف من الجيد لنستطيع أن نقدم الغناء الخاص في جو مريح وعالي الجودة، والحمد لله البرنامج أصبح قبلة للشباب، وذلك مما يسعدنا.
ــ المشاركة الدائمة في أغاني أغاني ساهمت بقدر فاعل في تغييب أغنياتكم وتجاربكم الخاصة؟
كان لا بد لنا من التضحية، ففي سنة 2005 كانت الأغاني السائدة مثل (جلابية بيضا مكوية) متسيدة الساحة الفنية، وما أكثر شاكلتها رغم أنها غير مخلة، إلا أنها ليست الطموح، ولم يكن المجتمع مستعد لقبول جديد أو خاص، فكانت فكرة البرنامج مواتية في وقتها، والشكل الجماعي فيها جعل المجتمع يرغب فيه ويتابعه بشكل ملفت، وكان لا بد لنا أن نساير الموجة حتى في الحفلات الخاصة، ظلوا يطلبون منا أغاني البرنامج، وأعتقد ترهلت الجلابية هنا، حيث لا يصح إلا الصحيح.
ــ ألا يخشى عاصم البنا من انحسار النجومية وفقدان البريق بسبب الاعتذار عن المشاركة؟
مشاركتي في البرنامج لن تأتي عنوة أو إصراراً مني بالتأكيد باختصار ما يلزمني من البرنامج أعتقد أني أوجزته في السنوات الثلاث الأولى، ولا شك في ذلك (الداير أقولو فيهو قلته)، ولك أن تتخيل ماذا بعد.. وإذا كان الجمهور يقيمني من خلال برنامج واحد مرحب بالانحسار.
*هل يعتقد عاصم البنا أن الفنانين مستهدفون من قبل والي الخرطوم؟
أنا لا أعتقد أن والي الخرطوم ليس بالحصافة التي تجعله يستقصد الفن والفنانين، ولكن جرت العادة أن كل مسؤول يرضي رؤساءه دون التروي أو البحث في كل الجوانب. أعتقد أنه كان بالإمكان أفضل مما كان، إذ أن صالة المطار تعج بالمخالطين والمواصلات والسوق والمخابز وكل هذا.
ولكن الفن يأتي في الدرجة 17 في بلادي رغم قناعتي بفرضية الإغلاق، إلا أنني أرى أن التضبيق غير منصف وغير دقيق.. والله أعلم.
*ما حدث مؤخراً يكشف بوضوح ضعف الكيانات الفنية وقادتها في حماية الفنان؟
أصدقك القول، لا توجد كيانات فنية بالمعنى الحرفي وإنما أسماء لكيانات، وكلمة كيان تعني التأثير الفعلي والعملي لتحقيق الوزن والتوازن.
على كل قبائل الفنون أن تجعل لنفسها جسماً موحداً كماً وكيفاً، رغم أن الضعف والوهن خلال فترة حكم الإنقاذ لكان أهم كلمة الآن على حد سواء، ولكن الضعف ناتج عن التشرذم والتفتت وطبيعة أهل السودان يمدحون الأفراد والأسماء ولا يهتمون بمعاني المؤسسية والعمل الجماعي، لذلك دوماً يفشل بسبب النرجسية وحب الذات والأنوية.
ـ برأيك، هل مجلس المهن الموسيقية والتمثيلية يقوم بدوره كما ينبغي؟
دوماً البدايات جميلة وبراقة وقوية وسرعان ما تتوارى في الأفق، والمجلس بتقديري جهة ضابطة للنشاط الفني، ومن المفترض أنها مؤسسة تتحكم في كيفية ضبط حراك الفنون ولكنها غابت قبل موعدها.
ــ باعتذارك عن المشاركة في أغاني وأغاني، هل ستغيب هذه المرة عن برامج رمضان في كل القنوات؟
حتى الآن لم تصلني أي دعوة للمشاركة في البرامج الرمضانية، ولن يكون عندي مانع في المشاركة شريطة أن أقيّم ما يقدم وليس لدي أي مانع بالتأكيد في ما كله جيد.
ـ كيف تستفيد من وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع معجبيك وجمهورك؟
في اعتقادي في هذا العصر، نحن نحمل قنواتنا الفضائية في جيوبنا وأيدينا في تقديري أعداد المشاهدات على وسائل التواصل أعلى من شاشات التلفزيونات في وقت البث، حيث يمكن أن يشاهدك في لحظة مئة ألف مثلاً، بينما حلقة في التلفاز مع كثرة القنوات وتنوعها يمكن أن تفقدك الكثير.
صار بالإمكان للفنان أن يكون لجنة أصوات لنفسه ونصوصاً وألحاناً وصحفياً يكتب ما يشاء ويناقش طرحه مع جمهوره دون وسيط، أعتقد استثمار هذه التكنلوجيا في نشر الوعي الفني من كبار الفنانين بأنواعها ستؤثر إيجاباً إذا طلعوا من عزلتهم والتفكير في الذات فقط ، لاحظ لايفات الأستاذ د. محمد الأمين من لندن العام المنصرم، كم كانت براقة وجميلة ولها حضورها وموثقة، وننتظر منهم الكثير في لقاءات ليست بالضرورة غنائية ربما توعوية فنية فيها النصح والإرشاد للأجيال القادمة، هذا ما تعلمناه منهم، ونحن في بداية التحاقنا باتحاد الفنانين، نتمنى أن تسمعه الأجيال التي تلينا.
ـ دعنا نتوقف قليلاً في أغنية (أجمل الناس) شعرياً ولحنياً وحتى أدائياً.. هل تشعر فعلاً بأنها مختلفة، وهي تجربة يمكن البناء عليها؟
“أجمل الناس” كانت تحدياً من العم الأستاذ أحمد الفرجوني، كان يمتحنني في التلحين، هذا النص غير قابل للتجزئة، بمعنى إذا سحبت شطرة من القصيدة سيخل بجملة وحدة النص، وهذا بالتأكيد مدعاة للرتابة فتحايلنا عليه، وأعتقد أنها لم تأخذ سوى ساعات قليلة ما بين صلاة العصر إلى المغرب، كنت قد فرغت من تلحينها، وهذا ليس من أي باب سوى التحدي ودوافعه المعنوية حركت مراوح التلحين الكامنة “هههه”.
أعتقد أن الفرجوني تفوق على نفسه في هذا النص الخمائلي، رغم أنه متمكن، ولكن هذا نفس مختلف ساقنا به إلى عوالم أرحب من أشكال الغناء غير المطروق، فشكراً له كل يوم، دعني أكون دقيقاً معك والقارئ الكريم محط احترامي، فالصدق هو ما يربطني بكل من يسمعني.
ــ كيف يفكر عاصم البنا في راهن تجربته ومستقبلها؟
في ظل الظروف الاقتصادية البالغة التعقيد لا عزاء للفنون وأنها مرتبطة بشكل حقيقي بالحالة الاقتصادية، فمثلاً في زمن سابق كان الموسم في الأعياد وعقب الحصاد وإجازات المغتربين يزدهر سوق الغناء بشكل عام، وأقصد الحفلات الخاصة، وما يُسمّى بالموسم الميت كان دوماً يكون الصيف، وبداياته ويبدأ من “فقراير” كما كان يحلو لهم أن ينادونه، مما سبق أولاً آسف على نفسي وجيلي غير المحظوظ، فنحن الجيل الذي حاول الإسلاميون تبديله بالمديح، ونحن الجيل الذي لم يرعاه يوماً وزير للثقافة وحتى اليوم، ونحن الجيل الذي جاء وذهب ويكافح ليصل صوته عنوة واقتداراً دون أي رعاية تذكر، والآن صرنا ركام تجارب عميقة، أعتقد أنها قوية ومكتسبة لمناعة ضد الاستسلام، لذا سوف ننتظر إلى أن تتبدل أحوال معايش الناس، ونحن أول الحادبين والحريصين على أولوياتهم في السلامة والصحة ومجانية التعليم ورغد العيش عشان يفضوا لينا بعد داك، ويكون عندنا الدافع النفسي والمزاجي لنكمل لهم ما يلزم.
ـ هل من كلمة أخيرة؟
كل الشكر لك أخي الأستاذ سراج الدين مصطفى، ولكل قراء أسنة أقلامك الرقيقة، أتمنى أن أكون قد كنت عند حسن الظن في محاورك الجميلة، وأعتذر لصراحتي في القول، ولكنها الحق على الأقل في نظري المتواضع.