هناك مقولة عن السودانيين للكولونيل البريطاني أرنست سومرقل جاكسون ـ وهو من سُمّي عليه موقف مواصلات جاكسون: (رغم فضائلهم لا يجتمع السودانيون إلا على كراهية بعضهم البعض، ومع توجبه الكراهية من بغض وحقد وحسد واحتقار وأنانية وعدم تعاون، فإنهم لن يستطيعوا إدارة وتوظيف موارد بلدهم العظيم لمنفعتهم العامة.. وأخشي أن يكون انسحابنا من هذا البلد وبالاً عليهم).
انتهت هذه المقولة، قد يكون الكولونيل صادقاً فيما ذهب إليه في تشخيص الحالة السودانية منذ خمسينيات القرن الماضي، إلا أن السودانيين أساساً لا يقرأون التاريخ ولا يأخذون منه شيئاً للمصلحة العامة، رغم الفضائل فلنقف هنا لنتأمل هذه المقولة التي يجب أن تكتب وتوضع في كل ناحية وشارع وداخل المؤسسات الرسمية والخاصة حتى نتخلص من ما فيها من سوءات والاهتمام بالفضائل ومكارم الخصال، خرج الاستعمار منذ أكثر من نصف قرن، ونحن ما زلنا في التيه السياسي والحزب الفلاني ضد الحزب التاني، وقبيلة أحمد ضد قبيلة حاج أحمد، والمثقفون و العلماء وأصحاب الدرجات العلمية سواء، وكل الذين لم يجدوا حظهم من التعليم الأكاديمي، في حين أن هناك مقولة أيضا بأن الحياة مدرسة، والآن خريجها أفضل وأكثر وأقعية في قراءة الواقع السوداني والتعامل معه، لأن أصحاب الدرجات العلمية لا ينظرون إلا لمصالحهم الشخصية والقبلية والحزبية الضيقة التي أضاعت فضائل هذا الشعب الكريم، حيث منذ الاستقلال لم يتم الإجماع على برنامج وطني جامع يأخذ من هذا البلد، ويتم إخراجها من الفقر الجوع والمرض والتشرذم مما أفقدنا جزءاً عزيزاً من الوطن انفصالاً بعدما فشلنا توحيده بعد خروج المتسعمر، وإلغاء سياسة المناطق المغلقة، ولما لهذا الجزء من إنسان وموارد كانت تكون إضافة ومن ممسكات الوحدة الوطنية، كما أن ما يدور الآن في دارفور من نزاع ينذر بالخطر ما لم تعالج جذور المشكلة برفع مستوى الوعي والتأكيد على حرمة الدم وقتل الإنسان لأخيه، وفرض القانون وعدم تمييز قبيلة عن الأخرى، أما مسألة جمع السلاح لوقف هذا القتل، فهذا نوع من عدم الواقعية، لأن السلاح منتشر في هذا المجتمع الزراعي والرعوي وفي ظل العادات والتقاليد، بل السلاح منتشر في معظم أنحاء السودان والكل يحاول اقتناءه الآن، وذلك يعود إلى المقولة آنفة الذكر للكولونيل البريطاني.
الصراع على الحكم لن ينتهي ما لم يتوافق الجميع على كلمة سواء فلننظر للوضع السياسي منذ منتصف القرن الماضي حكم مدني – عسكري – مدني – عسكري – مدني، بل تجد المدنيين هم من يساندون العساكر، لأن في حكمهم يكون الاستقرار وعدم التجاذب على السلطة مع تكريس السلطة أيضا في يد قلة.
السياسة وجذورها التاريخية والأحزاب السياسية جعلت الناس تكره بعضها وترتب على ذلك البغضاء، الحسد، احتقار، أنانية وعدم تعاون ونتج عن ذلك انعدام ثقة، وكلها لمصالح ضيقة لا تمت للوطن بصلة. خير شاهد على ذلك الالفاظ والكلمات مثل اكسح امسح، ندوسو دوس، نقطع يدو، ستصرخون.. ليس في السودان صراع أيدلوجي، إنما دين الأغلبية يحارب من قلة، أم ماذا تسمي ما يدور الآن عن علمنة الدولة بحجة الحداثة دون الرجوع للشعب، ولماذا لا يجلب هؤلاء من الغرب إلا الأشياء التي تتنافى مع معتقدات هذه الأمة، أليس الغرب هو الذي أسس البنيات الحديثة والتنمية والعلوم ووصل القمر، هل هم حريصون على وقف صراعاتنا وتشخيصها أكثر منا. معظم مقولة السيد أرنست سومرقل جاكسون في السودانيين تحققت، وهذا سبب الصراع منذ فجر الاستقلال كما أن معظم الساسة الذين تعاقبوا على الحكم غير جديرين لأنهم عملوا على تكريس مثل هذه السياسات وإلا ماذا تسمي أن يعين وزير واحد من إقليم جنوب السودان المضطرب أصلاً من قبل الاستقلال، وكذلك من إقليم دارفور ولم يمثل أي وزير من الشرق، مما أفرز بعد ذلك ظهور الحركات التي تنادي بحقوق الهامش. الأحزاب السودانية الكبيرة التي كانت بالحكم لا تمثل كل السودان وقس على ذلك.
ما لم يقدم الشعب السوداني التنازلات الكبيرة والمؤلمة لبعضهم البعض وقبول العيش سوياً لن يستطيعوا النهوض بالبلد والمحافظة عليه، وفي ظل الأطماع والمهددات المحدقة به، أما السياسيون فليس لديهم ما يقدمونه لهذا الشعب، أكثر صراعاتهم وسعيهم للسلطة دون الوضع في الاعتبار توحيد الأمة والتخطيط للمستقبل.
فهل من سبيل إلى تغيير مقولة السيد أرنست جاكسون التي حوت كل ما هو سيئ من صفات عن السودانيين.