وكانت الراحلة (ليلى أحمد المصطفى) التي غيبها هادم اللذات أمس بقاهرة المعز.. سجلًا حافلاً من البركات والمودات والخيرات.. كالنهر.. كالزهر… كإطلالة صبح وبشارات.. كانت مسارات حياتها كلها تدفقاً كجدول عطاء يروي الفقراء والمساكين وأصحاب الحاجات.. وتمد يد العون من خلال موقعها المترع بالإنسانية وهي التي اختارت العمل في ديوان الزكاة رغم خلفيتها الأكاديمية بدراسة القانون.. لكنها اختارت العمل في ديوان الزكاة لأن العمل هناك يتوافق وفطرتها وسجيتها المفعمة بالعطاء والبذل وترطيب كبد الفقير والمسكين والمحتاج.
كانت (ليلى المصطفى)، وهي الأخت الأمينة والجارة حسنة الجوار والتي يشهد لها أهل حينا وأهل الدويم وما جاورها بالطيبة وحسن الخلق ومكارم الأخلاق.. متوشحة بكل الفضائل والصفات الحميده لتغدو نموذجاً يحتذى في العطاء والمكرمات وحسن الجوار وروح الزمالة والحنو العظيم في صبر وتبتل وروح مسؤولية، حيث كانت في الموعد دائماً.. حباً وكرامة وإنجازاً للمهام الجسام الملقاة على العاتق حتى ليعجب المرء من عنفوان طاقتها المنداحة عطاءً أخاذاً لافتاً يغمر المهنة وتبعاتها مثلما يغمر الأهل براً وطاعة ويتدفق على أسرتها وجيرانها خيرات وبركات.. لله درها تلك المرأة النخلة التي أعطت وما استبقت وعاشت حياتها حنواً وبذلًا وعطاءً دون انتظار عائد دنيوي، وإنما كانت عينها على ثواب الآخرة التي هي خير وأبقى.
في خضم ذاك العطاء وذاك البذل وتلك التضحيات والوقت المقسم بين رهق العمل وعنت خدمة الأسرة وتربية العيال والإيفاء بالالتزامات المترتبة على حفظ الكيان.. ومن جراء ذلك الجهد الخرافي تمكن منها المرض وأصابها في عافيتها التي تضخها في شرايين واجباتها فصبرت واحتسبت.. وصارعت وقاومت في بسالة وتبتل، ولم تركن وتواصلت مع الفقراء والمساكين وسكبت روحها في أحشاء مشكلاتهم.. وواصلت العطاء الجياش بكل العنفوان حتى أتاها اليقين وواتاها الأجل المسطر.. وذهبت النفس المطمئنة إلى ربها راضية مرضية.. ودخلت في عباده.. ودخلت جنته بإذن واحد أحد.
بعض البشر يمرون على هذه الحياة الدنيا مرور الكرام وإن طال أجلهم ويعبرون إلى الضفة الأخرى دون أن يتركوا أثراً.. والبعض الآخر وبرغم قصر فترة مكوثهم إلا أنهم يعبرون بعد أن يتركوا البصمة والأثر الطيب النافع، ونحسب أن الراحلة من ذاك النفر.. فبرغم قليل سنين عمرها، إلا أنه وقياساً بالعطاء الثر، فقد كانت وفية لما يُسرت له، وأعطت وغادرت عند العشيات محفوفة بدعاء المحبين وعارفي فضلها.. وكان إلى جوارها كما اعتاد دائماً وعودنا منذ بدء مشوار رحلة الزواج والعطاء والذرية زوجها الصابر المحتسب شيخ العرب النبيل (يس السماني) مرافقاً لها بكل الحنو والمحبة البكر الخالصة من مهد الحياة الزوجية وحتى لحظات الرحيل الفاجع المر المباغت وقد كان شبيهاً للراحلة في حسن الخلق ومكارم الأخلاق وحلو المعشر وطيب العمل وحسن الجوار.. كانا متوافقين.. متواثقين متطابقين في المكرمات وفعل الخيرات.. لله درهما.. ولا نزكي على الله أحداً.. ولا نقول إلا ما يرضي الله.. (إنا لله وإنا إليه راجعون).
أحر التعازي إلى كل أهلها وإلى أهلنا الرباطاب أهل البر والتقوى وإلى زوجها الصابر المحتسب وذريتها الصالحة بإذن ربها وإلى أشقائها وشقيقاتها وجيرانها وزملائها وإلى شقيقها الصديق الإعلامي البارز الأستاذ (الحاج أحمد المصطفى)، وكل أهل الحي التامن وكل أهل الدويم.
نسأل الله تعالى أن يتقبلها القبول الحسن ويكرم مثواها ويحفظ أسرتها ويلهم آلها وذويها الصبر وحسن العزاء.
ألف رحمة ونور على مرقدها.. وسلام على الراحلة (ليلى أحمد المصطفى) في الخالدين..
الحمد لله.. له الدوام.. والبقاء له وحده سبحانه وتعالى.