بعد مخاض عسير، وشد وجذب بين مكونات الحرية والتغيير من جهة، وحركات الكفاح المسلح من جهة أخرى، ولدت الحكومة الثانية للفترة الانتقالية رغم تحفظ الكثيرين ووصفها بأنها حكومة محاصصات حزبية، لا تعبر عن روح الثورة التي نادت بأن تكون الحكومة مكونة من (التكنوقراط) من أصحاب التخصص والخبرة بعيداً عن الانتماءات الحزبية الضيقة.
في تقديري الشخصي، أن الحكومة التي تم تعيينها مؤخراً هي حكومة ذات قاعدة عريضة نالت رضا الشارع تماماً وأرضت أغلب القوى السياسية الموقعة على إعلان الحرية والتغيير وأبرزها حزب الأمة القومي والاتحادي الموحد والبعث الاشتراكي وحركات الكفاح المكونة للجبهة الثورية التي نالت نصيب الأسد بأكثر من ست وزارات، إضافة إلى الحركة الشعبية شمال، والدليل على ذلك عدم وجود أي اعتراضات أو مظاهرات منددة بإعلان الحكومة الجديدة، وقد وضع الشارع السوداني عليها آمالاً عراضاً في أن تعمل في انسجام وتناغم لتعبر بالبلاد إلي بر الأمان والرفاهية والاستقرار.
وكنتُ قد تحدثت في مقال سابق بأن هناك تحديات جساماً ومطلوبات ملحة أمام الحكومة الجديدة، وبالضرورة العمل عليها وهي معاش الناس والأمن والعدالة وإجراء الانتخابات في وقتها.
وبما أن تحقيق الرفاهية وتحسين معاش الناس تقع بالضرورة على وزارة المالية باعتبارها الخزانة العاملة والمنوط بها وضع السياسات المالية والاقتصادية التي يمكن أن تسهم بشكل سريع ومباشر في إيقاف تدهور الوضع المعيشي، وبالتالي يقع العبء الأكبر عليها، لذلك أذكّر دكتور جبريل إبراهيم وزير المالية بالآية الكريمة: (الذي أطعمهم من جوع وأمنهم من خوف)، وقد قدم الله سبحانه وتعالى الجوع على الخوف، لذلك الإنسان يحتاج للطعام أكثر من الأمن، لأنه يموت من غيره حتى لو كان خائفاً فقدم ما هو أولى، وما به دوام حياته وما يحتاجه الإنسان في كلا الموضعين قدم الأولى، فهنا سؤال ملح يفرض نفسه أيهما أهم أمن الجوع أم أمن النفس؟
بالضرورة بمكان أن نحدد حاجيات الإنسان الطبيعية الأساسية حاجته للهواء للتنفس والماء للشرب والطعام للأكل والدواء للمرض، هذه حاجيات الإنسان الغريزية، وأيضاً هي حاجيات لكل كائن حي، لذلك إطعام الطعام وتسهيل الحصول على الضروريات الحياتية من رغيف خبز ودواء وغيرها قد يكون سبباً للأمن في الواقع الحاضر، وقد وردت آية أخرى أن إطعام الطعام أمان في الحاضر، والخوف أن يتوقع الإنسان شيئاً في المستقبل حدوث (مجاعة) مثلاً كما في الآية الكريمة (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال).
وفي ختام حديثي دعني أقتبس بعضاً مما جاء في مبادرة حزب التنمية القومي للمصالحة المجتمعية الشاملة لإدارة التغيير والتنوع في محور الاقتصاد :
لانطلاقة الاقتصاد لا بد من:
1/ تخطيط استراتيجي فاعل يعمل على بناء كيان مؤسسي وتنظيمى والذى يقود بدوره إلى هيكلة اقتصادية واجتماعية وسياسية لنهضة الدولة السودانية الحديثة.
2/ لا بد من استنباط موارد في القطاع الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي والقطاع الصناعي بجانب البترول لأنه ثروة ناضبة وقدرته التنافسية في السوق العالمي ضعيفة.
3/ توجيه الموارد للتنمية الاقتصادية وبإدارة فاعلة وفق برنامج تنفيذي تنموي (قصير ومتوسط وطويل المدى).
4/ الانفتاح الاقتصادي العالمي.
5/ تقوية مؤسسات القطاع الخاص الوطني للدخول فى شراكات ذكية مع الاستثمارات الأحنبية في السودان وتقديم كافة التسهيلات والحوافز المشجعة لولوج مجالات الاستثمار المتاحة والضمانات اللازمة للحقوق.
6/ الاهتمام بالبنى التحتية من طرق وكهرباء ومياه وشبكات اتصال.
هذه المبادرة شخصت علل الاقتصاد السوداني ووضعت لها المعالجات العلمية بطريقة سهلة وبسيطة والعمل بها على المدى القصير يمكن أن تضع حداً لهذا التدهور الاقتصادي والاجتماعي الخطير.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل