الإداري والشاعر المعروف كامل عبد الماجد أحمد زين، والذي كان معتمد بارا… قال إنه عندما كان محافظاً لمحافظة بارا، بإقليم كردفان، أراد أن يتعاطى مع ملف الهمبتة بهدوء وعقلانية وحكمة، واقترح أن تقوم محافظته بمساعدة أساطين الهمباتة في المنطقة لأداء العمرة، ليكون أداء هذه الشعيرة باباً يَلِجون به نحو التوبة، ومن ثم يعودون إلى المجتمع بفكر جديد وصالح، وبالفعل نُفِّذ الاقتراح وسافر ثمانية من الهمباتة تحت قيادة أحد كبار عُمَدْ المنطقة على نفقة المحافظة لأداء شعيرة العمرة، وبعد انتهائهم من المناسك الخاصة بالعمرة، سلكوا في طريق عودتهم طريق المدينة جدّة، فرأى أحد المعتمرين من الهمباتة إبلاً في الطريق، فأدام النظر إليها وقال للعمدة:
“والله لولا هذا البحر لقدناهنَّ إلى دار حامد!” ثم أخذ يقول:
قدر ما أقول أتوب إبليس يلولِح راسو
يقول ليَّ لا تُّوب التابو قبلك خاسو
أفرَح وانبسِط عندَ المِدوِّر كاسو
بابَ التّوبه فاتح ما انقفل ترباسو ..!
وجاراه أحد الهمباتة الثمانية الآخرين ويُدعى الهادي قائلاً:
قدُر ما أقول أتوب إبليس يقبِّل غادي
يقول ليَّ لا تُّوب إيّاك كبير أولادي
أفرح وانبسط عِند أم قريناً نادي
باب التوبة فاتح ما انقفل يا الهادي ..!
وجاراه واحد من همباتة النافذة وقال:
طفنا البيت كمان شفنا المدينه مناره
وتبنا من المعاصي وتبنا من أخطاره
قول للمعتمد لو كان البحر بضاره
بي إبل السعودي كنا راجعين باره
لو كان حضر بيناتنا ود ضحويه
لا جمرات ولا عرفات ولا سلفيه
ناقة صالح لو معاهن، بنكشهن زنديه
وباب المولى فاتح وعارفنا همباتيه
وقد بدا لي أن الهمباتة يتمسكون بالهمبتة ويحنون إليها حنيناً جارفاً، حتى لو كانوا يواجهون موتاً حتمياً، فعندما أُقتيد أحدهم في خريف عام 1984م إلى غرفة الإعدام، رأى وهو في طريقه إلى حبل المشنقة السماء وقد أرعدت وامتلأت سُحُباً، فأثار ذلك في نفسه معاني شتّى، كذكرى المحبوبة وذكرى أيام الهمبتة، التي تزدهر في أيام الأمطار والخريف، وأخذ يقول:
وين دوديتي وين كبّيتي يا أم برق أم سحاباً شايلْ
شن سوّيتي في الكِتره وقليعات نايلْ
واحدين ساروا وواحدين بسوقوا الشايلْ
وداعاً سطوة امتحانات السودان دولياً
في الأعوام الماضية توافد الطلاب والطالبات المصريون يتنافسون للجلوس للشهادة السودانية لقوتها وكانت حلماً وهدفاً لكل طالب مصري، وأقبل عليها الطلاب المصريون من كل محافظات مصر. فرغم الحكم الجائر تواجد الطلاب لمدة ستة أشهر في السودان وهم مقتنعون بهذه الفترة الطويلة رغم علمه بأنه لن يتم قبولهم بالمدارس السودانية طيلة هذه الفترة.
وتتم دراستهم في الشقق المستأجرة
ولكن الطامة الكبرى حلت عليهم في هذه السنة اللعينة فجاءت إدارة الامتحانات الجديدة بقوانين لم تكن في الحسبان فوجئوا بها بعد وصولهم إلى السودان وهي زيادة كبيرة جداً في الرسوم. هل يعقل أن تكون رسوم توثيق شهادة إعدادية خمسين دولاراً بدلًا من خمسين جنيهاً ورسوم توثيق الشهادة خمسين دولاراً بدلاً من خمسين جنيهاً، واستخراج الشهادة خمسين دولاراً رسوم الطلبة المصريين في سنة واحدة تعادل رسوم الطلبة السودانيين لمدة أربع سنوات وزيادة في رسوم الجلوس لامتحان الشهادة من ٢١٥ دولاراً إلى ٤٠٠ دولار، هل بعد ذلك الطالب المصري في العام القادم سحضر للسودان. والأدهى والأمر حضور الطالب بنفسه للمعادلة أو استخراج الشهادة، وإدارة الامتحانات تعلم علم اليقين بأن حضور الطالب استحالة بدون شهادة قيد من مدرسة. فالإدارة تقف سدًا منيعًا في عدم التوثيق لعدم شهادة القيد.
أي عقلية هذه التي تحرم البلد من دخول عملة صعبة ومن أين أتوا بهؤلاء؟ إن إداره الامتحانات بعد رحيل الأستاذ القامة مختار محمد مختار يسكنها البوم لا صوت بها ولا حركة فيها، إدارة الامتحانات تحتضر أنقذوها برحيل مديرها ونائبه، وهم سبب في تدهور الشهادة السودانية إن لم يتم إنقاذها فسوف تلحق مشروع الجزيره والسكة حديد.
– لم يكن في الوزارة رجل مثل كامل عبد الماجد ينقذ ما يمكن إنقاذه.
امتحان الأجانب للشهادة الثانوية سمعة طيبة لها ودخول السودان للعالمية من أوسع الأبواب .