عندما قررت الحكومة تحقيق مطلب المتظاهرين بتسليم حكم الولايات لمدنيين بما أنني كنت أعمل مع والي كسلا اللواء همت العسكري قمت ببث رسائل لعدد من قادة الحرية والتغيير إن كانوا بالحاضنة أو من التنفيذيين أن يتم استثناء كسلا من برتكول المدنية، والعمل على تكليف الوالي همت بوضع برنامج تتوافق عليه مكونات الشرق القبلية والمدنية، وكنا قد شرعنا في إطلاق مبادرة تفضي لمجلس يضم ممثلي القوى المعبرة عن تطلعات النسيج الاجتماعي ويقوم هذا المجلس بالتفاوض مع المركز لاختيار الوالي المدني البديل، ويستمر عصف ذهني عميق وأي معضلة تواجه المجلس يتدخل مكتب الوالي العسكري بإنشاء مقاربات تؤدي لفض الاشتباك، وإذا تعذّر الأمر يمكن أن ينقل الوالي المعضلة للمركز، وبذلك وفرت حكومة الولاية العسكرية مرجعية محل ثقة ولها قوة الفعل وقدرة الالتزام بتنفيذ ما اتفق الفرقاء عليه، وأثناء فعاليات المجلس تظهر الخلافات العميقة، وبعيداً عن الصراع حول السلطة يمكن سهولة تلافي أي ردات فعل عنيفة، حيث الوالي المدني الذي سوف يتم اختياره، يشعر الجميع بالمشاركة في اختياره، كل ذلك يحدث خلافا للمفاجآت التي قام بها المركز في اختيار الوالي مصدراً لعنف خلّف ضحايا، الشيء الذي وسع شقة الخلافات القبلية وجعل الولاية عالقة في أزمة سياسية تعذر حلها، إذ أن أهالي الضحايا مطلبهم القصاص وقيادتهم قيّدها هذا المطلب من الدخول في مساومات سياسية تفضي لحل، والسيناريو المتوقع أي خطوة سياسية نحو الاستقرار تعني تفجير صراعات متجددة ومزيداً من الانشقاقات، أما لماذا أصرت قيادة الثورة بالمركز حدسي فيها أولاً التخلص من المطالب التي تخص المركز وترحيل الأزمة بعيداً للولايات، ثانيًا عدم خبرة في معرفة بطون المشكلات بولاية كسلا، ثالثاً طلبنا فُسر على أنه مجرد نزوة سلطة ومصالح شخصية ضيقة، وكل إناء ينضح بما فيه، والآن الأموال النرويجية تدخل على الخط مسببة تكاثف مزيد من النحل على قصعة الشرق طمعاً في العسل الذي يقطر من الورش والمؤتمرات المقامة منصاتها تحت عناوين فضفاضة نتائجها غير ملزمة لحكام ولا يسأل عنها محكومون، وللسبب الأخير حصل تعتيم إعلامى على ورشة منبر الشرق، وبما أن أموال النرويج ورفيقاتها من الدول الاسكندنافية اعتادت كسلا عليها منذ عقود، وهي باسم العدالة توزع على الفرقاء دون شروط أو تحديد وجهات الصرف ولدواعٍ ربما لمراقبة تفاعل تلك الأموال أنشئت مؤسسات مثل شركة “كادة” الهولندية، وبنت النرويج مدارس للأجئين أهدتها لحكومة الولاية، هذا إضافة لمؤسسة “بلان سودان” التي اقتصر عملها على دعم أسر الأيتام والفقراء.