إصلاح الاقتصاد.. مساران بنتائج قاسية
الخرطوم: جمعة عبد الله
سيكون الطاقم الاقتصادي المرتقب ضمن تشكيلة الحكومة الجديدة، أمام تحدٍّ عسير لانتشال الاقتصاد من وهدته، ومحاولة وقف التدهور والإصلاح، عبر مساري المواصلة في المسار القديم المتمثل في سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين التي تتبناها الحكومة حالياً، أو اللجوء لسياسات أخرى أخف وطأة، وتشير التوقعات إلى أن خيار المواصلة في المسار القديم هو الأرجح..
برنامج مراقبة
في سبتمبر 2020م، أقر المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي برنامجاً للسودان يتابعه خبراء الصندوق كبرنامج مستوفٍ لمعيار الشرطية المطبق على الشرائح الإئتمانية العليا، وكانت الحكومة السودانية طلبت برنامجاً يتابعه خبراء الصندوق لإنشاء سجل أداء قوي فيما يخص تنفيذ السياسات والإصلاحات، وهو مطلب ضروري للوصول إلى تخفيف أعباء الديون.
وفي ظل البرنامج الذي يتابعه خبراء الصندوق ومدته 12 شهراً من مطلع يوليو 2020 إلى 30 يونيو 2021، تعتزم الحكومة مواصلة العمل لإلغاء دعم الوقود، مما يتيح حيزًا لزيادة الإنفاق الاجتماعي، بما في ذلك الإنفاق على برنامج دعم الأسر، وخدمات الرعاية الصحية، مع توسيع القاعدة الضريبية، وترشيد الإعفاءات الضريبية.
ويعتبر الضبط المالي الناتج عن ذلك عاملاً أساسياً في الحد من خلق النقود بغرض تمويل العجز وخفض التضخم، وتعتزم السلطات أيضاً اتخاذ إجراءات لإرساء سعر صرف موحد يحقق التوازن في سوق الصرف ويؤدي لإزالة التشوهات الاقتصادية، إلى جانب التدابير الرامية إلى تحسين الحوكمة، والحد من الفساد والمساعدة على تعزيز بيئة الأعمال والقدرة التنافسية.
شكوك ومخاوف
ولكن اتباع هذه الوصفة يتطلب ضرورة توفر تمويل مباشر بنحو 5.4 مليار دولار لدعم الموازنة خلال 2021، وهو أمر مشكوك في حدوثه ويبدو غير وارد في ظل امتناع المانحين ومؤسسات التمويل الدولية عن توفيرها، وهو ما يجعل المهمة أكثر صعوبة، وينصح بالمرونة في الجداول الزمنية للإصلاح نظراً لهشاشة الظروف الاجتماعية والاقتصادية.
كما يعتمد نجاح البرنامج على كفاية التمويل من المانحين خلال مرحلة التحول الصعبة إلى اقتصاد كفء قائم على السوق وسيكون من المهم وجود تنسيق قوي بين المانحين والمؤسسات المالية الدولية بشأن المساعدات الفنية للسودان.
تمويل الانتقال
وتنوّه آخر نشرة لصندوق النقد الدولي أصدرها منتصف العام المنصرم، إلى أن أحد العناصر الأساسية لنجاح برنامج الحكومة للإصلاح هو التمويل الكافي من المانحين لدعم الانتقال الصعب إلى اقتصاد قائم على السوق يعمل بشكل جيد”، لافتاً إلى أن “أن المساعدات المالية للسودان من قبل المانحين كانت أقل بكثير من المبالغ المطلوبة لتسهيل التكيف الهيكلي التدريجي المنظم للإصلاح الاقتصادي”، وبناء على ذلك، اعتبر الصندوق أن برنامج الحكومة السودانية المُراقَب من قبل موظفي الصندوق يواجه مخاطر عالية، بما يعني العجز عن تحقيق الهدف المرجو منه بتحقيق سجل موجب لأداء الاقتصاد الكلي وتنفيذ الإصلاحات، ضمن الشروط الأخرى لتسوية عبء الديون، وتسهيل الحصول على تمويلات خارجية.
إصلاح داخلي
ويدعو خبراء اقتصاديون الحكومة لاتخاذ خطوات إصلاحية حقيقية لمعالجة الوضع المعيشي المتدهور، ووقف نزيف العملة المحلية وتحسين معاش الناس، مشيرين إلى أن الثورة الشعبية كانت بسبب مطالب اقتصادية بالدرجة الأولى، وحذروا من مغبة تجاهل الإصلاحات المطلوبة لأنها ستزيد الوضع تعقيداً فوق ما هو معقد بالأصل، ونوهوا إلى أن السياسات الاقتصادية التي انتهجتها الحكومة خلال العامين الأخيرين كانت السبب المباشر في تفاقم حدة الوضع المعيشي، ومن الضروري مراجعتها.
وتتمثل مطالب الخبراء في إعادة الهياكل الاقتصادية والبعد عن المحاصصات والترضيات السياسية وخفض الإنفاق، وتشجيع الادخار، وزيادة معدلات الاستثمار والاستفادة من أسواق المال العالمية مع أهمية خفض الإنفاق الحكومي للحد الأدنى والتركيز على معاش الناس والمشروعات التي ترفع العبء عن المواطنين.
سياسة إصلاحية
المحلل الاقتصادي قاسم الصديق، أوضح أن سياسة البنك الدولي إصلاحية ولا شك، وهي ترمي لوضع لبنات حقيقية لبناء الاقتصاد، أما تأثيرها الآني فهو كارثي على رفع معدلات التضخم، لكنه في الأمد الطويل وبحسن استغلال الموارد الاستغلال الأمثل لقروض مؤسسات التمويل الدولية واتفاقيات نادي باريس وتلك المتعلقة بالدعم الثنائي يزيد من الإنتاج وتمزيق فواتير توريد مواد أساسية مثل القمح والسكر والزيوت النباتية وزيادة إنتاج القطن وزيادة غلة العديد من السلع الأخرى.
وقال قاسم لـ “الصيحة”، إن النجاح في هذه النقاط سيؤدي لتحقيق وفرة في ميزاني التجارة والمدفوعات، ويبدأ التضخم في الانخفاض، بيد أنه قطع بإمكانية تحقيق ذلك بوجود جهاز تنفيذي قوي ومتمكن ومسنود بحاضنة سياسية منتخبة ومتمكن من إصدار القرارات.
مقراً بأن رفع الدعم الكلي عن السلع وتحرير سعر الصرف هي من مطلوبات البنك الدولي لتمديد قروض بشروط واضحة لاستخدامها في التنمية الاقتصادية وبذلك نقول إن أي دعم من سلع التنمية الاستراتيجية أو الخدمات حيث لا يتوقع تقديم دعم دولاري نقدي سيرفع من تأهيل الاقتصاد طالما سيتم توجيه الدعم أياً كان نوعه في الأخذ بيد الاقتصاد المتهالك والمعلول.
يضيف قاسم: إن اقتصاد السودان الذي أوغل في الانهيار هو الأحوج لاستقبال الدعم بحالته الراهنة طالما سيأتي مشروط الاستخدام في مشاريع تنموية مصحوبة بدراسة جدوى محققة بعناية، والظروف دائمًا تكون مناسبة وملائمة لاستقبال الدعم الخارجي، لأن الاقتصاد في حالة تدهور يومي مستمر، ولابد من إبطاء ولا نقول “فرملة” ذلك التدهور بتغيير وتيرة حالة الاستكانة لعوامل الإضعاف اليومية للاقتصاد.
تطمينات
بدوره يرى الخبير الاقتصادي ومستشار مجلس أبو ظبي للتطوير الاقتصادي، د. التيجاني بدر، أنه لا داعي للقلق من تعامل السودان مع صندوق النقد والبنك الدوليين، قائلاً: بما أن السودان عضو في المنظمات الدولية وعضو في كل الصناديق فمن الطبيعي أن يتعامل معها، وبالنسبة للتخوفات فهي لا داعي لها، لأن هاتين المؤسستين “البنك الدولي وصندوق النقد الدولي” لا يتدخلان في السياسات الداخلية للدول، ولا يتم فرض سياسة معينة للدولة بل يقترح سياسة معينة، ولا تكون ملزمة للدولة، فالتمويل ليس مشروطاً بتبني أي وصفة يفرضها الصندوق، فالصندوق مثلاً جهة خبيرة في كيفية وأساليب السيطرة علي سعر الصرف، ومن يريد الاستفادة منه سيكون دور الصندوق كاستشاري ومراقب فقط.
وأشار التيجاني لأهمية الإصلاحات الاقتصادية في ظل الوضع الحالي، لافتاً إلى أن الإصلاح جهد مستمر ومتواصل، والفشل فيه يرجع لأسباب متعددة وليست بالضرورة وصفات صندوق النقد الدولي، فالمشكلة أننا ليس لدينا صادرات والإنتاج ضعيف.
وعن جزئية رفع الدعم بموجب هذه الإصلاحات قال، إن الأصل في الاقتصاد أنه بلا دعم، وتساءل لماذا تدعم الدول بعض السلع وترفعه عنها؟.. وفي حالة رفع الدعم يكون لزيادة الإنتاج والاستفادة من قيمة الدعم في تشجيع الإنتاج، وهي قضية شائكة تتطلب عددا من المعطيات تتعلق بمدى وفرة السلعة ومعدل الإنتاج والاستهلاك لكل سلعة مدعومة، ولكن المشكلة أن البلد غير منتجة.
استمرار الانكماش
ويتوقع صندوق النقد الدولي استمرار الانكماش لاقتصاد السودان في 2021 وعدم عودة الاقتصاد للنمو قريباً، وهو ما ينعكس على جميع المؤشرات الاقتصادية خاصة معدلات التضخم والبطالة، وبذلك يستمر العجز العام، لذلك أهم التوجهات ترشيد الإنفاق الحكومي واستمرار إصلاح دعم الوقود والكهرباء والخبز، والتعديل التدريجي لأسعار صرف الدولار، والدولار الجمركي حتى الوصول إلى السعر الحقيقي، والعمل على إيقاف تدهور الاقتصاد، ووقف تراجع الجنيه.