تقرير: مريم أبشر
يصل الخرطوم اليوم، وفد من مجلس العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي وذلك في إطار مساعٍ حثيثة تقوم بها بعض الأطراف الدولية القريبة من السودان والحريصة على استقراره في هذه الفترة الحساسة من تاريخه المعاصر، لاحتواء بوادر أزمة الفشقة التي نشبت مؤخرًا بين السودان وإثيوبيا وسبقه تعثر وتنعت أثيوبي أيضاً في مفاوضات سد النهضة، فضلا عن أن الحرب التي اشتعلت بين الجيش الأثيوبي ومعارضيه في إقليم التقراي فرت على إثرها أعداد هائلة من اللاجئين الأثيوبيين الذين اتجهوا نحو الحدود السودانية في ولاية الخرطوم وولايات السودان الشرقية، وهم يعيشون حالياً أوضاعاً إنسانية أقل ما توصف به أنها مأساوية، وشكل تواجدهم داخل الأراضي السودانية أعباء اقتصادية إضافية كبيرة على الحكومات الولائية والحكومة الانتقالية في الخرطوم، في ظل إحجام دولي عن تقديم العون الإنساني الكافي لهم. الوفد الأوروبي الذي يضم عددا من ممثلي دول الاتحاد الأوروبي سيدخل مباشرة اليوم في سلسلة من اللقاءات المباشرة مع قيادات الحكومة الانتقالية يتقدمها رئيس مجلس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بيد أن الوفد الأوروبي سيبدأ أولى لقاءاته في العاشرة من صباح اليوم بوزير الخارجية الملكف الدكتور عمر قمر الدين.
وتأتي زيارة الوفد الأوروبي وسط توجه عام سوداني بأن الخرطوم لا تسعى لتصعيد التوتر مع أديس إعلامياً عبر الصراخ أو الدخول في حرب إلا تُجر إليها اضطراراً مع التأكيد على أن الأراضي التي بسط الجيش السوداني سيطرته عليها أراض سودانية مائة في المائة وأن على أديس تحكيم صوت العقل والجلوس لحل الخلاف حول ترسيم الحدود المتفق عليها بموجب اتفاقيات ومواثيق دولية عبر الحوار والطرق الدبلوماسية والسياسية المعروفة خاصة أن البلدين تربطهما علاقات تأريخ وجوار ممتد عبر السنين.
تحرك مطلوب:
واستبقت زيارة الوفد الأوروبي، الزيارة التي قام بها نهاية الشهر المنصرم وزير الخارجية البريطاني لذات الغرض بجانب العلاقات الثنائية واعترافه بأن بلاده باعتبارها كانت تحكم السودان هى من وقع نيابة عنه على اتفاقية ترسيم الحدود مع ملك أثيوبيا المستقلة حينها منليك، الأمر الذي يؤكد ان أديس وقعت وهى حرة وبكامل إرادتها أنه أي وزير الخارجية البريطاني التزم بإبلاغ اثيوبيا التي زارها مباشرة بعد السودان بتأكيد أحقية السودان بمنطقة الفشقة التي يوجد فيها الجيش السوداني..
كم استبقت الوفد الأوروبي كذلك الحكومة الانتقالية بتنفيذ زيارات على مستوى قيادات المجلس السيادي والوزاري لكل دول الجوار الإقليمي والدول العربية والأفريقية ذات الصلة بالسودان، لتوضيح موقف السودان وحقه في التحرك داخل أراضيه وحرصه التام على عدم الدخول في أي حرب مع أثيوبيا، وأنه لا يرغب في ذلك، لجهة أن نشوب حرب في المنطقة الإقليمية سيكون الخاسر فيها كل دول المنطقة وليس السودان وأثيوبيا وحدهما.
تحرك إيجابي:
قبول التوسط لحل أي خلاف بين دولتين أياً كان نوعه يعد خطوة إيجابية وفهماً متقدماً لحسم أي خلاف حدودي على وجه التحديد، وتماهياً مع الحالة السودانية، فإن الحكومة الانتقالية أكدت على كبار قياداتها في أكثر من مرة أنها لا ترغب في حرب مع أثيوبيا ولا تريد التصعيد العسكري، وليس لديها مانع بقبول وساطة طرف ثالث.
وحسبما يرى خبير دبلوماسي، فإن هذه رسالة سياسية واضحة من حكومة الثورة بأن الخيار الذي تفضله هو الحل الدبلوماسي عن طريق الحوار، وعلى كل طرف أن يبرز ما لديه من وثائق تبثت حقه في ادعاء الملكية للحق المتنازع عليه.. ويعتقد أن دخول الاتحاد الأوروبي كوسيط خطوة مهمة جداً خاصة، إذ ضمت كل من بريطانيا وإيطاليا اللتين كانتا تستعمران السودان وأثيوبيا في فترة تخطيط الحدود بين البلدين.
ويضيف الخبير الدبلوماسي بأن موقف السودان واضح لا يريد التصعيد ولم يتجاوز الحدود المتفق عليها كما تدعي أثيوبيا، بل على العكس هنالك بعض الأراضي السودانية ما زالت تحت السيطرة الأثيوبية ولم يستردها الجيش، ويعتقد أن بريطانيا بخلاف الدول الأخرى وبما أنها كانت تستعمر السودان لديها كل الوثائق والخرائط والأدلة التي تؤكد حق السودان في منطقة الفشقة.
وتشير كل المعلومات إلى أن أثيوبيا وحتى وقت قريب لم تكن لديها أطماع في الأراضى السودانية، ولكنها كانت مستفيدة منها نظراً لموجات الجفاف التي تجتاح المنطقة والنزوح الداخلي لمواطنيها والذي يمتد إلى داخل الأراضي السودانية، ولأن أرض الفشقة خصبة وغنية وصالحة للزراعة، رأت أنها لا تستطيع التخلي عنها خاصة وأنها أصبحت مصدر غذاء لها بل حتى أرتريا شكلت مورداً لموادها الغذائية.
ويرحج مراقبون أن تعمل الوساطة الأوروبية في جمع الطرفين وإقناعهما بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، والتفاهم حول كيفية الحل خاصة أن الاتفاقيات الدولية والإقليمية ملزمة، ونشير هنا إلى أن ميثاق الاتحاد الأفريقى يلزم دول الاتحاد باحترام الحدود التي ورثتها من المستعمر، وبالتالي فإن اثيوبيا ليس لها الحق لا عبر القانون الدولي أو الأقليمي الأدعاء بأنها تمتلك أرض الفشقة، وكان هذا النهج متبعاً في كل الحكومات الأثيوبية والسودانية المتعاقبة، ولكن تبدل الحال بعد محاولة الاغتيال التي قام بها نظام الإنقاذ البائد.
رضوخ قسري:
بعد المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك رضخت الحكومة حينها للتعديات التي تقوم بها أثيوبيا على الأراضي السودانية خوفاً من تصعيدها ملف الاغتيال حسب مصدر دبلوماسي متابع، وأصبحت منطقة الفشقة وكأنها أرض لا صاحب لها، أضف إلى ذلك أن مواطني المنطقة في شرق السودان تركوا الزراعة نتيجة للتعديات الأثيوبية وخلو المنطقة من الجيش السوداني الذي يحميهم، وهي واحدة من مهام الجيوش الوطنية في العالم حماية الحدود وبالتالي حماية المزارعين فيها.
ويؤكد كل المتابعين أن اثيوبيا يمكنها الاستفادة من المنطقة أيضاً عبر التبادل التجاري وتجارة الحدود المعروفة بين الدول.
مجهود مقدر ولكن!
على خلاف من يسعون للعب دور الوسيط بين الطرفين فإن بعض العارفين بخبايا الملفات يؤكدون أن ملف أحقية السودان على كامل أرض الفشقة، مثبت منذ عام 1902 عندما كانت أثيوبيا مستقلة كاملة السيادة على أراضيها وأن السودان هو الذى كان ينبغى أن يبحث عن أراضيه ربما أخذت منه لصالح أثيوبيا، ويقول السفير والخبير الدبلوماسي الطريفي كرمنو لــ(الصيحة) إن السودان طوال السنيين الماضية كان يتحدث عن نزاع حدودي فليس هناك نزاع، مضيفاً أن السودان مضى في الترسيم حتى منطقة الجكو داخل الحدود الجنوبية، وسعت أثيوبيا في محاولة منها لإقناع السودان بأن من يسيطرون على المنطقة هم جماعة الشفتة، وهي مجموعة متفلتة ليتضح لاحقاً بأنها تنظيم حكومي بامتياز ومعترف به، ولفت كرمنو إلى أن المحصول الذي يتصدر زراعة المحاصيل في منطقة الفشقة هو السمسم المحصول السوداني المعروف عالمياً وهي تعمل على تصديره الآن باعتباره محصولاً اثيوبياً وقطع بأن المنطقة سودانية مائة في المائة وأن أديس ليس لها أي حق فيها، ولفت إلى أن وزير الخارجية البريطاني في زيارته الأخيرة اعترف بأحقية السودان وفق المواثيق والخرط لمنطقة الفشقة، ومن هذا المنطلق يمكن للوفد الأوروبي أن يدفع باتجاه حل الخلاف وبالتالي تحقيق مصالح الشعبين عبر التعاون والتجارة الحدودية المتعارف عليها بين الدول.