!
الخرطوم- محجوب عثمان
أنشئت لجنة أزالة التمكين ومحاربة الفساد وتفكيك نظام 30 يونيو 1989م، بموجب قانون خاص شُرع لتبسط الدولة أياديها على الأموال المنهوبة والتي آلت لرموز وواجهات النظام البائد، سمي بقانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 وإزالة التمكين لسنة 2019، ونشطت في تتبع آثار المؤتمر الوطني والنظام البائد ودخلت عُش الدبابير بعد أن سَاندتها حكومة الثورة ومُكوِّناتها لدرجة أن قانونها تم تعديله لمنحها صلاحيات أوسع بعد أن أثبتت الممارسة حاجة ماسّة لسد ثغور وضحت في جسم القانون.
منذ بدايتها، واجهت لجنة التمكين، مُعارضة كبيرة خاصة من أنصار النظام البائد، بعد أن أظهرت بالمُستندات حصول قيادات النظام البائد على أموال وأملاك ضخمة، وبدأت تكشف عن خفايا مُمتلكات رموز الإنقاذ ومؤسساته، ما دفع لمُساندتها من كل الشعب السوداني الذي أصبح ينتظر مؤتمرات اللجنة الصحفية بفارغ الصبر، كونها تُبيِّن حجم ما ناله النظام السابق ورموزه خاصةً فيما يتعلّق بقطع الأراضي المُسجّلة بأسمائهم.
سيصرخون!
ومع تصاعُد الحملات التي قادها أنصار النظام البائد على اللجنة، كان الرد من قبلها مزيداً من كشف أملاك النظام والتوغُّل في مُؤسّساته التي كانت تُحاط بقدسيةٍ وهالةٍ أمنيةٍ تمنعها من المُساءلة مثل مُؤسّسة دانفوديو ومنظمة الدعوة الإسلامية، وعندها خرج مصطلح “سيصرخون” الذي قاله عضو اللجنة وجدي صالح، مشيراً به الى أن أنصار النظام البائد سيصرخون كثيراً جرّاء استعادة أموال الشعب السوداني التي نهبها رموز الإنقاذ.
غير قانوني
وفي خضم استمرار لجنة إزالة التمكين في عملها، خرج المحامي المحسوب على قِوى الثورة ورئيس لجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة د. نبيل أديب بمقالٍ شاملٍ، فنّد فيه ما تقوم به من نزعٍ للممتلكات واعتبره غير قانوني، لافتاً إلى أنه “عمل صحيح يتم بطريقة غير قانونية”، مبيناً أن ما تقوم به اللجنة من عمل ليس صحيحاً ولا مِن اختصاصاتها، وأكّد أنّ القرارات التي تتّخذها لجنة إزالة التمكين في ما يتعلق باسترداد الأموال تُعتبر مُخالفة للدستور، على اعتبار أن مُصادرة أموال مملوكة لشخص وتحويلها إلى الدولة هو من شأن السُّلطة القضائية.
تصريفٌ قانونيٌّ
أسند نبيل أديب عدم قانونية عمل اللجنة بأنّ قانونها لم يضع معنىً مقصوداً لكلمة استرداد، موضحاً أن استرداد تفسّر وفق تفسيرها اللغوي الذي يعني استعادة الشئ الذي خرج لأيِّ سببٍ من الأسباب عن حيازة شخصٍ ما، إلى ذلك الشخص. وخروج الشيء عن حيازة الشخص يمكن أن يتم برضاء الشخص، أو بحكم القانون، أو بعمل غير مشروعٍ. وكلمة استرداد تشمل من حيث المعنى عودة الشيء إلى تلك الحيازة، بغض النظر عن سَبَب خُرُوجه عنها في المقام الأول، متسائلاً عن أن كل الممتلكات المنزوعة هل كانت مملوكة للدولة.
خلافاتٌ
لم يكن طريق لجنة إزالة التمكين ومُحاربة الفساد مفروشاً بالورود، فقد واجهتها العديد من التحديات وضربتها الخلافات داخلها خاصةً الحديث عن اتجاهها لتصفية الخصومات وتسريب صور لحرم الرئيس المخلوع وداد بابكر والتي قادت لخلافات داخلية، أعقبتها خلافات امتدّت لتوجيه اتّهامات لجهات خارج اللجنة، لكن الخلافات الداخلية كانت السمة البارزة كونها جسماً يُناط به تحقيق هدف أصيل من أهداف ثورة ديسمبر، فكان أن جمّد طه الحسين عُضويته فيها وابتعد عنها رئيسها الفريق ياسر العطا.
الحرب ضد مناع
واجه عضو اللجنة صلاح مناع، حرباً شديدة خلال عمله في اللجنة خاصةً عندما أُثيرت القضية التي رفعتها ضده شركة زين للاتصالات وما أعقبها من تصريحٍ له بأنه ذهب للنيابة للتحري معه وخرج بعد ربع ساعة، في وقتٍ كانت لجنة التمكين تعتقل وفق قانونها، متهمين وتبقيهم في الحراسات وتتأخّر النيابة في إصدار الضمانة لهم.. واستمرّت الحرب على مناع بإثارة العديد من القضايا حوله.
القشّة التي قَصَمَت ظهر البعير
ربما كانت الحرب ضد مناع هي ما جعلته يخرج للرأي العام بتصريحات وُصفت بأنها غير مُوفّقة عندما خرج ليقول إن رئيس مجلس السيادة ونائبه وبقية أعضاء المجلس احتجوا على استجواب حرم رئيس الجمهورية المخلوع وقاموا بإطلاق سراحها، وهاجم النائب العام بأنه قام بتنفيذ توجيهات رئيس مجلس السيادة بإطلاق سراح رجل الأعمال التركي أوكتاي شعبان حسني، الذي قال إنه دخل السودان ترزياً وخرج مليارديراً، موضحاً أنه خرج وهو يُواجه بلاغات بمُخالفات مالية بأكثر من مليار دولار، وربما كانت تصريحات مناع الأخيرة بمثابة القَشّة التي قصمت ظهر بعير لجنة التمكين، لجهة أنها وضعت اللجنة في مُواجهة مُباشرة مع مجلس السيادة.
هُجومٌ مُضادٌ
كذبت النيابة العامة، الاتّهامات التي ساقتها لجنة إزالة التمكين بشأن عدم تعاون النائب العام معها، وقالت إنها ظلّت تُقدِّم كامل الدعم للجنة إزالة التمكين، ووجّهت وكلاء نيابة بالمركز والولايات للعمل مع اللجنة، وكشفت عن تسليمها ملفات مهمة للجنة إزالة التمكين، قبل نحو عام، مثل استرداد الفلل الرئاسية, وعقارات وقفية, واسترداد أسهم حكومة السودان في فندق كورال (الهيلتون سابقاً) وغيرها، لكن اللجنة لم تصدر بشأنها قرارات، بل ظلت قرابة العام بأضابيرها.
الشركاء الجُدد
لجنة التمكين لم تسلم من هجوم الشركاء السياسيين الجدد، فقد هاجمها رئيس حركة العدل والمساواة د. جبريل إبراهيم، وأكد رفضه التام لوضعها بشكلها الحالي، معلناً عن رفضه التشهير في الإعلام والأخذ بوضع اليد دون إجراء قضائي عادل، وقال “عندما تجتمع كل السُّلطات، سُلطات البوليس والنيابة العامة والقضاء والاستئناف كلها عند طرفٍ واحدٍ، وتكون هي الجهة السياسية، وتقول إنها ذهبت لفض اجتماع لعدد من الناس أو ذهبت واعتقلت وفعلت، الأمر فيه إخلالٌ بالعدالة تماماً”.
دفاع
ربما يكون أكبر دفاع عن لجنة التمكين صدر عن الأمين العام للحركة الشعبية شمال ياسر عرمان، الذي قال إن ثورة ديسمبر لن تساوي الدم الذي كُتبت به حال لم تتمكّن من إزالة التّمكين، مبيناً أن خصوم الثّورة والتّغيير انتقلوا إلى مربع الهجوم بدلاً من الدفاع، وقال “إذا أردت معرفة نتيجة فحص كورونا السّياسيّة لأيِّ شخص وموقفه من الثّورة والتّغيير، أعرف موقفه من إزالة التّمكين أولاً”، وشدّد عرمان، على أن الحديث ما عاد يدور حول الكيفية المُثلى لإزالة التّمكين، بل يدور حول الكيفية المُثلى لإزالة لجنة التّمكين، ودعا لعدم الانسياق خلف الحملة التي تهدف لوقف إزالة التّمكين تحت ستار أخطاء اللجنة.
استقالة
أعلن رئيس اللجنة الفريق ركن ياسر العطا، عن تقديمه استقالته من رئاسة اللجنة، لكنه أكد أن استقالته غير مرتبطة بطلب كان قد تقدم به سابقاً بحل اللجنة، مشيراً إلى أنه وجّه مكتبه بعدم استلام أي ملفات تخص لجنة التمكين.
وكان العطا قد تقدم باستقالته سابقاً، وغاب عن توقيع قرارات اللجنة لفترةٍ طويلةٍ، بيد أنّ اللجنة نفت أن يكون قد تقدّم بالاستقالة، وحينها كانت له رؤية واضحة بأن ما تقوم به اللجنة أمر ربما يُخالف القانون، وعليه ينبغي أن تكون مفوضية مُحاربة الفساد المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية.
حَل اللجنة
أكّدت مصادر مطّلعة تحدّثت لـ(الصيحة)، أنّ قراراً وشيكاً بحل لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد سيصدر، يُصاحبه قرارٌ آخر بتكوين وتشكيل مفوضية مُحاربة الفساد بصورة مُؤقّتة تستمر لثلاثة أشهر بعضوية قضاة وقانونيين لحين الفراغ من تشريع قانون مُحاربة الفساد الذي قَطعت فيه وزارة العدل شوطاً بعيداً وعقدت حوله العديد من وِرَشَ العَمَل.
وأشار المصدر الى أن اللجنة عملت بصورة جادة ونجحت في ملفات عديدة لكنها تحتاج إلى أن يكون عملها قانونياً مسنوداً بأحكام قضائية بعد تقديم ملفاتها للقضاء.