- توفي الدكتور حامدين حماد فجر يوم الأحد 17/1/2021م بمركز العزل الصحي في “جبرة” بفيروس كورونا “كوفيد الخبيث” وكان حامدين قد أنهى عمله طبيباً في مكة المكرمة في السعودية بعد أن عمل فيها عشرين عاماً ولم يعش بعد عودته إلى وطنه إلا أقل من شهر واحد. الذين واروا جثمانه الثرى في مقابر “الصحافة” في الخرطوم وتحدثوا عند قبره ذكروا كلهم جميعاً دون استثناء – كلٌّ بلغته – أنهم ما عرفوا في حياتهم رجلاً مثالياً نبيلاً مثل حامدين. وهو بحق رجل استثنائي في خشيته لله، في تعامله مع الناس، في كرمه العجيب كل العجب، فمالُهُ ليس مالهُ هو لكنه متاح لكل الأسرة الممتدة كبيرها وصغيرها، في إنشائه صناديق خيرية وَقَفَهَا على ذوي الحاجة، في بره الذي لا يوصف بوالديه، في حبه ووفائه المثالي لحنان الحريري زوجه رغم أنهما لم يُخلِّفا، في وفائه لكل أصدقائه وزملائه من زمان الصبا، في صَلاته في المسجد الحرام القريب من مسكنه في مكة واعتكافه فيه أحياناً برفقة والده ما عُرف بأنه خاصم إنساناً قط في حياته كلها، لا في أسرتنا الواسعة الممتدة الحافلة بالمئات من البشر ولا في غيرها. أيُّ أخلاق هذه وأيُّ ملائكية!
- بكاه القاصي والداني لا سيما زملاؤه الأطباء في السعودية ومنطقة الخليج بأسرها الذين ما إن بلغهم نبأ إصابته “بالكوفيد” حتى كوَّنوا هيئة استشارية منهم تتعامل مباشرة مع الأطباء القائمين على علاجه في الخرطوم يتبادلون معهم كل كبيرة وصغيرة في أمر علاجه. وهُرع إليه شقيقه الأصغر الطبيب يوسف من النهود وعادت إلى الخرطوم مسرعةً شقيقته الصغرى الطبيبة سلمى من السعودية، وانخرطوا جميعاً في علاج مكثف مع أطباء مستشفى “إمبريَل” ثم مركز العزل في جبرة وهيئة زملائه الاستشارية في الخليج، ولكن كما قال أبو ذؤيب:
وإذا المنيــَّة أنشبـــت أظفارهــــــــــــــا ألفيتَ كَّل تميمــــــــةٍ لا تَنفـــــعُ
فأسلم الروح لبارئها بعد عشرة أيام من العلاج. قالت الدكتورة سلمى عن شقيقها الراحل: لعل الله أراد قبضَ روحه إليه بعد عودته للسودان بأيام قلائل لئلا يتلوث بالدنيا وَخَبَثِها بعد تطهره بالعبادات والصلاة في بيت الله الحرام عشرين عاماً فيذهب إلى الدار الآخرة وهو في حالة طُهر ونقاء فيتبوأ مقعده من الجنة إن شاء الله.
- تعلم حامدين مرحلة الأساس والمتوسطة في بابنوسة “وأبوزبد” في غرب كردفان ثم انتقل إلى خور طقت الثانوية القريبة من الأبيّض ثم إلى كلية الطب بجامعة الخرطوم. ولد في 24/9/1963م وكانت له كرامات وهو طفل صغير. فقد حكى لي مرةً وهو في التاسعة من عمره أنه رأى وهو نائم امتحان الحساب كله وقام بحلِّه حلاً صحيحاً، وفي اليوم التالي جلس لامتحان الحساب الحقيقي في المدرسة فوجد نفس الامتحان الذي رآه البارحة في النوم كما هو لم يتغير فيه رقم أو يتبدل حرف، فحلَّه وأحرز الدرجة الكاملة!
- عمل في عدد من مستشفيات غرب كردفان بعد تخرجه من الجامعة: في المجلد وبابنوسة والفوله وغيرها. ثم سافر إلى السعودية وعمل في مستشفيات مكة عشرين عاماً. وفي إبّاِن عمله فيها تبوَّأ لبعض الوقت منصب رئيس رابطة الأطباء السودانيين في المنطقة الغربية للمملكة العربية السعودية وتقلد أيضاً منصب نائب رئيس الجالية السودانية في المنطقة الغربية بالمملكة، فكانت له بذلك صِلات جيدة بقنصلية السودان في جدة.
- أسرع دكتور حامدين بعد عودته إلى الخرطوم من السعودية للقاء والده الذي كان قد سافر إلى ضواحي بلدة أبوزبد في غرب كردفان لأداء واجب العزاء في صهره فبلغه في بعض الطريق أن والده توفي في بيت العزاء، فأسرع إلى حيث جثمان والده وعاد به إلى الأبيض ودُفن بالقرب من مقبرة ابنه الكبير عبد المنعم والذي كان قد توفي في شهر مايو عام 2020م بفيروس “كوفيد”. وكان حامدين أيضاً قد أصيب في مكة في ذات الشهر بالفيروس الخبيث ثم تعافى منه. وأعد حامدين كتاباً جمع فيه المراثي التي كتبت عن شقيقه عبد المنعم، والكتاب تحت الطبعة الآن. أقام العزاء لوالده في الأبيض ثم سافر إلى القضارف لأمرٍ كان والده كلفه به من قبل، ثم عاد بعد ثلاثة أيام إلى الخرطوم يعاني من مرضٍ شديد اتضح أنه الفيروس القاتل. وفاضت روحه إلى بارئها وكان في السابعة والخمسين من عمره. بكته حنان الحريري زوجته قارئة القرآن بدمعٍ سحاح قبل وفاته حينما شعرت بشبح الموت يحوم من حوله، وبكيناه كلنا حتى كادت تتفتت أكبادنا حزناً عليه. ألا على مثل حامدين فلتبك البواكي. رحمه الله وغفر له وجعل روحه في الفردوس الأعلى من الجنة.
- هذه الكلمة موجهة أساساً إلى أسرة الفقيد وأصدقائه وزملائه وأحبائه وتلاميذه حول العالم.