صلاح الدين عووضة يكتب.. صمُّ الصخور !!
مُفارقة غَريبة..
كان يبدو ناعماً…. هادئاً…. رائقاً؛ ويتسلّى بقذف حبّات فولٍ سوداني إلى مطحنة فمه..
والشارع – بالخارج – يبدو على عكس ما داخل متجره الأنيق..
فقلت له مُداعباً – أو مُشاغباً – قبل أن أطلب ما جئت من أجله: إنها نُذر ثورة الجياع..
ففاجأني صائحاً وهو يزدرد حبّاتٍ من فوله المُقشّر (ديل صعاليك)..
ثم أضاف بصياح أشدّ (إيه يعني تحرق اللساتك؟… وتولِّع النيران؟… وتقفِّل الشوارع؟)..
وواصل مضغ الفول – والكلام – معاً..
علماً بأنه ينتمي إلى حزب يخوض معركة المحاصصة هذه الأيام؛ بكل ما أُوتي من شراسة..
شراسة لو أنّه عارض بها البشير لما حكم ثلاثين عاماً..
فأجبته بغضبٍ حَل محل النزعة إلى المُداعبة: هؤلاء الصعاليك هم مَن أسقطوا لكم عدوّكم..
ولولاهم – استطردت – لما كنتم تتصارعون على الكراسي الآن..
ثُمّ خرجت دُون شراء ما ولجت (المول) بغرض جلبه؛ أو – بالأحرى – نسيته تماماً..
وكذلك كثيرون نسوا (الوسيلة) التي جعلتهم يحكمون..
نسوا الثورة… وإطاراتها… ومتاريسها… وحرائقها… وشجاعة التصدي لعنف زبانية البشير..
بل نسوا الدماء… والشهداء… وجُثث النيل والصحراء..
فمن الطبيعي – إذن – أن تنعس لجنة القصاص… وتغفو قضايا الفساد… وتنام مَطالب الشعب..
وأمثال صاحبنا – ماضغ الفول – كُثُرٌ في حكومتنا..
فلماذا لا يجوع الناس؟… وتقسو الحياة؟… وتُجنُّ الأسعار؟… ويلتهب الشارع مرةً أخرى؟..
وهم ليسوا مثله في (نظرته) إلى الجوعى وحسب..
وإنما حتى في البرود… والجحود… والنكران… و(التسلي) – عنهم – بأية تسلية ذات متعة..
سواء فول… أو سفرية… أو نثرية… أو أسمار (مزارع) ليلية..
بذمتكم – مثلاً – هل تحس بأنّ هبة هذه ذات (إحساس) يُخالف أحاسيس صاحب المول؟..
وهل تحس أن حمدوك – ببروده العجيب هذا – يحس من أصله؟..
وهل تحس بأن خيري – وزير القطوعات في عز الشتاء – يمتلك ذرةً من إحساس (ساخن)؟..
وهل تحس من تلقاء عائشة بأيِّ (حس) خارج نطاق نثرياتها؟..
وهل أحسست بأيِّ حسٍّ من جانب ولاء سوى هرولتها – هذه الأيام – لاستجداء زمن إضافي؟..
وهل إحساسك تجاه مدني يختلف عن إحساس (المُدافرة) في الصفوف؟..
هُم جميعاً هكذا؛ الذين تسنموا المناصب على حين غفلةٍ من الثورة… والناس… والتاريخ..
لا تحس منهم من أحدٍ ولا تسمع لهم ركزا..
ولكن ليتهم يسمعون – في أيامنا هذه – صخب الذين غلب عليهم الجوع… واليأس… والإحباط..
ليتهم يسمعون قرقرة البطون… وغرغرة الأرواح… وكركرة الغضب؟..
فهل – قبل فوات الأوان – يسمعون صخب الرعود؟:
أم فـي اللا شـعور حيـاتهم؟..
فكأنهم صمُّ الصخور !!.