شركات الجيش.. جدل قديم بأصوات أعلى
الخرطوم: جمعة عبد الله
تزايدت أصوات كيانات سياسية وعناصر بالحكومة بشأن قضية الشركات العسكرية، وهي قضية قديمة تتجدد كل حين، وآخر فصولها، هو ما تناوله عضو الحزب الشيوعي أحمد حامد في مؤتمر صحفي بدار حزبه حول موازنة 2021، وكشف حامد عن شروع المؤسسة العسكرية في بيع شركات تتبع لها، وقال إن بعضها شركات “رمادية لا يعرف لمن تتبع”، وحفل المؤتمر بكثير من الحديث حول الموضوع.
والقضية في جوهرها تتعلق بقصور ولاية وزارة المالية على المال العام، وتقول معلومات رسمية صادرة عن الحكومة الانتقالية إن “82%” من الشركات المملوكة للمؤسسات العسكرية لا تخضع لولاية وزارة المالية، وهي معلومات تستند على حقيقة تضمن الموازنة الجديدة إيرادات الشركات العسكرية، وهو ما يعتبره البعض سبباً للأزمة المالية والاقتصادية التي تمر بها الحكومة لجهة ضخامة وتأثير هذه الشركات.
قانون التحول الديمقراطي
وأدت إجازة مجلس الشيوخ الأمريكي قانون “الانتقال الديمقراطي والمساءلة والشفافية المالية بالسودان” لتصاعد الحديث جهراً عن شركات واستثمارات الجيش، ويتحدث القانون الأمريكي عن مراقبة أموال الجيش والأجهزة الأمنية والعسكرية، وأصولها، وميزانيتها، والكشف عن أسهمها في جميع الشركات العامة والخاصة، كما ينص القانون أيضاً على ضرورة وضع لائحة بكل الأسهم في الشركات العامة والخاصة التي تديرها أو تملكها قوى الأمن والاستخبارات، ونقل كل هذه الأسهم إلى وزارة المالية أو أي هيئة تابعة للحكومة السودانية والتي أسست لهذا الغرض، والتي تقع تحت السلطات المدنية.
جدل قديم
للدقة.. لا تعتبر قضية الشركات العسكرية وليدة الشراكة بين المكونين المدني والعسكري بالحكومة الانتقالية، بل هي قضية موروثة منذ حقبة النظام السابق، كما لا يعد الحديث حولها جديداً، فكثيراً ما أثير خلال تلك الحقبة، وتحفظ الأضابير على أيام البرلمان السابق الذي شهدت قبته وردهاته مطالبات ونقاشات ساخنة حول تفكيك سطوة الشركات العسكرية وضرورة ابتعادها عن النشاط التجاري، حيث أثيرت حينها كثيراً امتلاك المؤسسات العسكرية والشرطة والأمن استثمارات ضخمة تقوم بتشغيلها دون توريد عائدها في الخزينة العامة، ورغم مطالبة عدد من النواب بالبرلمان السابق بإخضاع تلك الشركات لسلطة الدولة وتمكين وزارة المالية من الولاية على أموالها باعتبارها مالاً عاماً أنها ظلت بيد تلك المؤسسات، حيث تدر تلك الاستثمارات مبالغ مالية لا يستهان بها.
تبادل اتهامات
وبعد التغيير وتشكيل حكومة الثورة، ظل الأمر على حاله، وما تغير به هو تنامي الأصوات المطالبة بالسيطرة على الشركات العسكرية، ووصل صدى الأصوات لأعلى سلطة في الحكومة الانتقالية ممثلة في رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك من جانب، ورئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان من الضفة الأخرى.
ففي أغسطس الماضي تحدث حمدوك صراحة عن ضرورة استعادة شركات القطاع الأمني والعسكري، مشيراً إلى “82%” من المال العام خارج ولاية وزارة المالية، وقال إن “المطالبة بالشفافية المالية والمحاسبية في شركات الحكومة والمكون العسكري مطلب أساسي ينبغي أن يتحقق، فمن غير الممكن إدارة موارد خاصة بالشعب السوداني من غير شفافية ومساءلة، هذا أمر لا تنازل فيه”.
وسارع البرهان للرد على رئيس الوزراء أمام قادة الجيش قائلاً إن شركات الجيش لم تحتكر تصدير السمسم أو المواشي أو الذهب، وكذلك القوات المسلحة بسطت يدها إلى وزارة المالية للاستحواذ على مجموعة مقدّرة من تلك الشركات، لكنها لم تستجب، كما قال البرهان في وقت لاحق، إن الجيش حصر 450 شركة حكومية غير تابعة له، يعمل منها بصورة رسمية نحو 200 شركة فقط، أما البقية فهي تتبع لمؤسسات ووزارات.
استثمارات عسكرية
وتمتلك المؤسسة العسكرية، ترسانة من الاستثمارات التي تتوزع على مختلف الأنشطة الاقتصادية في التصنيع والزراعة والثروة الحيوانية والتعدين والصادر، وتحتكر بعض الشركات قطاعات اقتصادية هامة وذات عائد ربحي كبير، مما يعد إخلالاً بمبدأ المنافسة التجارية، كما تحصل أخريات على إعفاءات ضريبية وجمركية على ما تستورده، وكل ذلك كان على عهد الحكومة السابقة، ومن غير المعلوم هل ما تزال تتمتع بكل هذه المزايا أم شملها تغيير.
سياج سري
تتمثل أبرز إشكالات الشركة العسكرية، أنها تضرب حول نفسها طوقاً متيناً من السرية حتى للمؤسسات الراقبية المختصة مثل وزارة المالية وديوان المراجع العام، وليس من اليسير عبور هذا السياج ومعرفة ما تخبئه في أضابيرها، ولا كيف تتعامل، وما هي حساباتها، وبنود صرفها، والواقع يقول إن كل هذه الأسئلة يصعب الوصول لإجابات قاطعة حاسمة حولها، ولكون حساباتها وأنشطتها المالية خارج وزارة المالية يتزايد الجدل حولها.
عائد الشركات
يقول مصدر عسكري سابق ذو صلة بالأنشطة الاقتصادية تحدث لـ “الصيحة” ــ مفضلا حجب اسمه ــ إن الأمر ليس فيه غرابة، موضحاً أن كثير من المؤسسات العسكرية بمختلف دول العالم لديها أنشطة تجارية واستثمارية، بيد أنها ــ والحديث للمصدر ــ ليس بالضرورة منافسة للقطاع التجاري سواء حكومي أو خاص، بقدر ما هي أنشطة مخصصة لخدمة المؤسسة نفسها وأفرادها، لافتاً إلى أن نجاح هذه المؤسسات العسكرية ليس خصماً على الدولة بقدر ما يشكل إضافة لها، وتساءل عن قدرة الدولة منفردة على تمويل قطاع الأمن والدفاع.
يضيف المصدر، أن عائد الشركات العسكرية لا يصب في جيوب قادتها حتى تثار القضية بهذه الحساسية، مشيراً إلى أن أكثرها يذهب لمواجهة الترتيبات الأمنية وصرف كثير غير منظور “برنامج دي دى آر” على سبيل المثال، وهو إعادة التأهيل والتسريح والدمج حتى تخرج بقوات مسلحة قومية وأجهزة نظامية منضبطة، وكل حاملي السلاح غير المرغوب فيهم توجد لهم وسائل لكسب الرزق حتى لا تواجه البلاد تمرداً جديداً يزعزع الأمن أو تظلمات جديدة.