الشاعر سيد أحمد الحردلو.. اسم له وقع خاص عند الشعب السوداني.. ويعتبر من العلامات البارزة في مسيرة الشعر على مستوى الوطن العربي، وكان مجدداً في معاني ومضامين الكتابة الشعرية، وله أسلوب خاص جعل منه واحداً من أكثر الشعراء قبولاً عند متذوقي الشعر بكل أطيافه.
الجدير بالذكر أن سيد أحمد الحردلو شاعر سوداني ودبلوماسي معروف على نطاق واسع، ولد في العام 1940 في قرية “ناوا” بالولاية الشمالية، وحصل على بكالريوس في اللغة الإنجليزية وآدابها في العام 1965 ودبلوم اللغة الفرنسية، عمل مدرساً في السودان، ثم حضر موت، ثم انتقل إلى السلك الدبلوماسي، فعمل مستشاراً بسفارة السودان في كنشاسا، وسفيراً فوق العادة وتقاعد عام 1989 ثم عمل محرراً ومراسلاً لبعض الصحف السودانية، وشارك في العديد من المؤتمرات الرسمية والمهرجانات الثقافية.
عاش الأديب والدبلوماسي السوداني سيد أحمد الحردلو شاعرًا مبدعاً مجدداً، ومواكباً بشعره أحداث بلده وأمته، قبل أن يرحل في صمت عن 72 عاماً بعد مسيرة حافلة بالعطاء على مدى أكثر من أربعين عاماً. ويعرف عن الحردلو أنه من أوائل الذين انتموا إلى تيار شعر التفعيلة في السودان، إلى جانب الشعراء محمد الفيتوري وصلاح أحمد إبراهيم ومحمد المكي إبراهيم، ومحيي الدين فارس ومصطفى سند.
وكانت مجموعته “غداً نلتقي”، أول إصداراته عام 1960، ولم يكن قد تجاوز العشرين من عمره, ومنها قصيدته التي جاءت بعنوان “رسالة حب من الجزائر” إلى المناضلة جميلة بوحيرد ويقول فيها:
ألا تذكرين أصيل التقينا وكنت أنا لاهياً شاردا
وحين التفت علي بغتة وكنت تمدين نحوي يدا
ألا تذكرين عناقاتنا ووهران يرمقنا شاهدا
واسفنجة في الخضم تبعثر شوق القرون لحلم بدا
على شاطئ الأبيض المستفيق
كتبنا غداً ورسمنا غدا
وكتب عن المجموعة الناقد العربي مصطفى السحرتي، مبشراً بميلاد شاعر كبير، له مقدرة فائقة في استخدام تقنيات القصيدة الجديدة، كما تناولها بالدراسة الدكتور تاج السر الحسن، مشيراً إلى البعد الوطني والقومي والوجداني الذي تشي به قصائد المجموعة.”لا يقتصر عطاء الراحل الحردلو على مجال الكتابة الإبداعية وحدها إنما يمتد ذلك العطاء من خلال عمله في الدبلوماسية السودانية”.
ووجدت إصدارات الحردلو المتعددة في مجال الشعر اهتمام عدد كبير من كبار النقاد السودانيين والعرب منهم عز الدين إسماعيل وعبد القدوس الخاتم وغادة السمان والروائي القاص عبد الرحمن مجيد الربيعي، الذي كتب عن الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر الصادرة عن مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي بالخرطوم بمقدمة للروائي العالمي الطيب صالح.
ويقول صاحب “موسم الهجرة إلى الشمال” في تقديمه: “الصفتان الغالبتان في سيد أحمد الحردلو شاعراً وإنساناً هما العذوبة والأريحية وإن القارئ يجد رحلة الوطن على امتداد إبداعاته, وإن الحردلو من الذين صنعوا في الشعر العربي الحديث تياراً شعرياً له خصائص واضحة، وهو صاحب شعر فيه حداثة وتجديد، وفي الوقت نفسه مرتبط أشد الارتباط بالبيئة السودانية والتراث السوداني، وهو من الذين صنعوا ذلك قبل أن تثور قضية ما يسمى بالأصالة والمعاصرة في مصر.”
وما لا يعرفه الكثيرون، أن سيد أحمد الحردلو بدأ بكتابة القصة القصيرة قبل الشعر وأن مجموعته “ملعون أبوكي بلد” جاء نشرها لاحقاً لديوانه الأول، وقد تناولها بالدراسة القاص الروائي عبد المجيد الربيعي. وقد أثارت هذه المجموعة هجوماً على الحردلو داخل السودان، لسوء الفهم الذى لازم قراءتها، ذلك مما دفع الشاعر للقول بأنها تمثل موقفاً من القيم الغربية، التي كانت سائدة في الخرطوم وليست بها شتيمة للسودان.
وللحردلو أيضاً إسهامات في كتابة المسرحية منها “عرضحال من جملة أهالي السافل يوصل” التي كتبها عام 1975، ولظروف كثيرة تعثر عرض هذه المسرحية، ولم تعرض إلا من خلال عروض الدبلوما بكلية الموسيقى والدراما، وهي تحكي عن السيول، التى اجتاحت منطقة تنقاسي في ذلك الزمان وجرفت الأسر وقتلت الأطفال ودمرت الأشجار والمشاتل في تلك المنطقة.
وكتب الشاعر الراحل كذلك أغنيات مشهورة بالعامية السودانية وأشهرها “بلدي يا حبوب”، والتي لا يكاد أحد من السودانيين لا يحفظ كلماتها، وقد تغنى بها فنان أفريقيا الأول الراحل محمد وردي إلى جانب أعمال وطنية أخرى قدمها الجيلاني الواثق وسيف الجامعة.
وكانت أيضاً للراحل العديد من المشاركات في المؤتمرات الرسمية واللقاءات والمهرجانات الثقافية, بجانب عمله مراسلاَ ومحرراً لبعض الصحف السودانية والعربية. ويذكر هنا أنه كان يحرر صفحة أسبوعية لصحيفة “الأيام” في ستينيات القرن الماضي بعنوان “نافذة من القاهرة”، وقد حاور الشاعر خلالها محمد حسنين هيكل ومصطفى أمين وعلي أمين وإحسان عبد القدوس. وقام أيضاً بتغطية المعارك الثقافية، التي كانت دائرة بين محمد مندور ومحمد رشدي بشأن هل الأدب للحياة أم للفن؟.
كانت آخر قصيدة كتبها الراحل الحردلو في 13 مارس/آذار 2011 عن الثوره الليبية بعنوان “المرافعة الأخيرة لفرعون عزيزستان” في إشارة إلى ثكنة العزيزية -مقر العقيد الراحل معمر القذافي- وجاء إهداؤها إلى شهداء ليبيا الكرام، الذين دفعوا أرواحهم الطاهرة مهراً للحرية.