سراج الدين مصطفى يكتب : سيف الجامعة .. تجربة تستحق التأمل
أتوقف باحترام كبير عند تجربة الفنان الكبير سيف الجامعة .. فهو يمثل نموذجاً حقيقياً لماهية الفنان المدرك والواعي برسالته الغنائية .. فهو واحد من أصحاب المشاريع الفنية الناضجة التي ترتكز على ذاكرة معرفية ضخمة، اتاحت له أن يكرس لنمط غنائي مختلف من حيث الشكل والمضمون والفكرة .. ولعل التأهيل الأكاديمي لسيف فتح له مغاليق الأبواب فأصبح أكثر قدرة على تقديم غناء معافى من حيث اختيار المفردة الشعرية المختلفة.
أغنيات سيف الجامعة أشبه بالمشاريع الفكرية ..وما يشدني إليه أكثر قدرته على فلسفة غنائيته والتنظير لها ..سيف الجامعة فنان طويل القامة الفنية لأنه نموذج للفنان المدرك بأهمية الغناء والموسيقى..فنان يغني لأجل الحياة وقضاياها وهمومها ..وهو في ذات الوقت يغني للعاطفة والحب والجمال.
أجد نفسي واحداً من أشد المعجبين بتجربة الفنان سيف الجامعة ..فهو واحد من قلائل أعتبرهم من أصحاب الكفاءة الثقافية العالية والقدرة على رؤية الأمور بزوايا مختلفة وعديدة ..لذلك جاءت تجربة سيف مبرأة من السطحية والتسطح ..,هي تجربة تهتم بالعمق والبعد الوجداني وتبعد عن الأسطح والقشور ..لذلك ليس مهماً إن خلع الكاب ولبس العمة!!
ذكرت من قبل وفي مرات كثيرة أن تنازلات سيف الجامعة ليتغنى بألحان صلاح إدريس ذلك هو السبب الرئيسي في تقديري الذي جعل معالم تحربته الحالية شبه مطموسة ولا قيمة لها البتة..والاتهامات التي أصبحت تلاحقه بأنه (باع القضية) ..هي اتهامات جائرة وظالمة لا تستند على أرض صلبة ..فسيف بتقديري مازال صاحب مشروع وسيم ..هذا المشروع يتيح له فضاءً واسعاً من الحركة ..رغم محاولات التحجيم في إطار حزبي ضيق ..وطالما هو يمتلك مقدرة أن يحلق في فضاء واسع ..فلماذا محاولات التحجيم في حيز لا يتسع لقدراته الكبيرة.
أنا ضد من يقول بأن تقلبات سيف الجامعة السياسية أثرت على وضعيته كفنان صاحب قضية كما يقولون ..البعض يقول ذلك لأنه يضع مشروع سيف الغنائي بمحازاة مشروع مصطفى سيد أحمد،ويرون فيه امتداداً لمصطفى..وهذا ظلم كبير له ..لأن سيف فنان يختلف كثيراً عن مصطفى من حيث الصوت والتفكير وطريقة التعبير عن الأفكار الموسيقية والغنائية..وإن كان الاثنان أقرب للفكر اليساري..ولكن سيف الجامعة امتداد لسيف الجامعة ..فنان نسيج وحده..له شخصيته وبصمته وهو شيخ له طريقته وفلسفته.
في حالة فنان كسيف الجامعة يجب أن نضع المشرط على مكان الجرح..ونقولها صراحة إن اقترابه من رجل الأعمال صلاح إدريس وضعه في مقام من يبحث عن (الرزم المالية) وليس (الرزم الموسيقية)..وبمقارنة بسيطة نجد أن سيف الجامعة (الملحن) يفوق صلاح إدريس (الملحن) ملايين المرات..حيث لا مجال للمقارنة البتة..سيف يتفوق وفي كل شئ..ولا يوجد سبب واحد يجعله يتنازل عن مكانته كفنان وملحن عبقري ومجدد ولكن سيف أراد لنفسه أن يكون في منزلة بين المنزلتين. فضاعت ملامحه الغنائية وتاه مشروعه الغنائي في ذلك الدرب الشائك والوعر الذي خصم منه كثيراً.
وتظل هناك حقيقة باذخة لا يمكن التغافل عنها مطلقاً تتمحور وتتمظهر حول غنائية سيف وقدراته التطريبية العالية والمدهشة ..وسيف تعدى إطار تجربته وتطويرها وهو يعد ـ بحسب تقديري ـ ذاكرة حية وضمير لهذه الأمة لأنه تقريباً (يحفظ) معظم الغناء السوداني .. ولعلي توقفت عند ذلك كثيراً وآخرها في تسجيل حلقات البرنامج التوثيقي (سكة وتر) مع الفنان الطيب عبدالله .. حيث كان سيف يحفظ كل أغنيات الطيب عبدالله وبمهنية عالية.
سيف بتقديري تجربة تستحق التأمل والتفكر .. فهو فنان ليس عادياً وتجاوز كل الأطر التقليدية للفنان وفتح نفاجات جديدة لشكل التجارب الفنية وكيفية التخطيط لها .. وكما يقول البعض للفنان الذكي (حرامي غنا) فسيف كذلك .. بل وأبرع من تلك الفكرة البسيطة.