الخرطوم :مريم أبشر
يبدو أن العلاقات بين الخرطوم وواشنطن تمضي بوتيرة سالكة أكثر، فالولايات المتحدة الأمريكية تبدأ فترة حكم جديدة في عهد إدارة الرئيس الديمقراطي المنتخب جوبايدن. وبعد أن قطع البلدان شوطاً ايجابياً في آخر فترة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، أفضت لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب ومنحه الحصانة السيادية..
وفي أول حراك ثنائي في العهد الجديد للبيت الأبيض، زار الخرطوم خلال اليومين الماضيين نائب قائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقية (افريكوم) والتقى ببعض المسؤولين على رأسهم رئيس المجلس السيادي الفريق البرهان بحث مجالات التعاون الأمنى بين الخرطوم وواشنطن، غير أن البعض اعتبر لقاءات الجنرال الأمريكي بالقادة العسكريين في الحكومة الانتقالية محاولة للتقرب من الشق العسكري على حساب المكون المدني، الأمر الذي دفع بنائب قائد القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا (أفريكوم) أندرو يانع لنفي أي نية لبلاده لعقد صفقة أو استغلال مع الجانب العسكري في الحكومة الانتقالية إنما رغبة حقيقية بشراكة ثنائية مستقبلية، مضيفاً في تصريح له عقب ختام زيارته للعربية أنه ناقش مع الجانب السوداني تعزيز قرارات شعب السودان الشجاع لبناء مستقبل جديد”، لافتاً إلى أن “جزءاً من جهود أميركا مع السودان تعزيز الأمن والحماية في المنطقة”. وأضاف لا نرى أنه من الملائم الاتجاه لإنشاء قاعدة أميركية عسكرية على البحر الأحمر، إنما نتجه لبناء شراكات من خلال العمل معاً”. وأشار إلى توقيع اتفاقية بقيمة مليار دولار معنية بالمؤسسات المالية الدولية، ومليار دولار أخرى للاستيراد والتصدير ونصف مليار للمساعدات الإنسانية، وزاد (جهودنا تنصب لربط وتعزيز الجيشين السوداني والأميركي ورفع القدرات ضمن جهودنا الثنائية لتعزيز الأمن في المنطقة).
إدارة بايدن والتفاؤل
أجمع عدد كبير من المراقبين أن الإدارة الأمريكية الجديدة في عهد الرئيس المنتخب جوبايدن، ستتعاطى بشكل مغاير وايجابي نوعاً ما مع قضايا المنطقة بشكل عام بما فيها القضية الفلسطينية والسودان على وجه خاص، وذلك بإكمال إزالة أي نوع من العقوبات أو العراقيل التي تعترض مسار التحول الديمقراطي. ومعلوم أن الولايات المتحدة الأمريكية دولة مؤسسات راسخة لا تتأثر كثيراً بتغيير الإدارات الحاكمة المتعاقبة على البيت الأبيض ولذلك من حيث المبدأ دائماً تتسم سياستها الخارجية بقدر كبير من الثبات خاصة في الملفات الإستراتيجية، ولكن لا بد من التذكير إبان الحملة الانتخابية وفي سياق التسابق نحو البيت الأبيض عاب بايدن على منافسه دونالد ترمب، ابتزازه لدولة فقيرة كالسودان وفرض مبالغ مالية كبيرة عليها لأجل تعويض عائلات الضحايا الأمريكيين (ضحايا تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام والمدمرة يو إس إس كول) ومن هذه الزواية وغيرها من زوايا في إطار محاولات بايدن وضع معالجات للاختلالات التي صاحبت الإدارة السابقة، يرحج كثيرون أن تتعامل الإدارة الجديدة بشكل مرن إلى حد ما مع الخرطوم وتخطو قدماً باتجاه دفع علاقاتها مع الخرطوم في أوجه أكثر نفعاً لعلاقات البلدين في المجالات الإستراتيجية، وأن تقدم الإدارة الأمريكية الجديدة في دعم السودان لأسباب سياسية وأمنية، تتصل بالمصالح الأمريكية في المنطقة.
بايدن في الخرطوم
بعد الإعلان الرسمي الذي صاحبته أحداث دراماتيكية من سلفه ترمب عم فرح عارم على الطريقة السودانية الولايات المتحدة، ولم تخفِ الخرطوم ممثلة في حكومتها الانتقالية خاصة شقها المدني ارتياحها لتولي الديمقراطيين إدارة البيت الأبيض رغم أن فترة ترمب شهدت في خواتيمها تقدماً ملموساً في العلاقات مع الخرطوم، غير أن التقدم ارتبط بالابتزاز المالي بدفع التعويضات لضحايا التفجيرات الإرهابية المتهم فيها النظام البائد ودفع فاتورته الشعب السوداني في ظروف اقتصادية بالغة التعقيد. الخرطوم تعشم في علاقة متوازنة بينها وواشنطن مبنية على الاحترام وليس على الوصاية والتخويف والابتزاز كما حدث من قبل الإدارة السابقة، ويرى مراقبون أن العلاقة بين البلدين تحتاج للوضوح والواقعية المعبرة. ويرجح حسب المعلومات التي تحصلت عليها (الصيحة) من مصادرها الخاصة أن تكون الخرطوم أحد محطات الرئيس الأمريكي جو بايدن في إطار جولة أفريقية يعتزم القيام بها خلال فبراير المقبل، في أول تحرك خارجي له بعد تسلمه مقاليد الأمور في البيت الأبيض.
أمريكا عنوان للديمقراطية
من المؤكد أن الولايات المتحدة حتى في أيام ترمب لا تميل ولا تفكر في التحالف مع العسكر في السودان، يستوي في ذلك الجمهوريون والديمقراطيون، بل على العكس تماماً أكدت واشنطون أكثر من مرة أنها ستدعم التحول الديمقراطي في السودان وتساند حكومة الثورة، وخطت خطوات ملموسة في وعودها تلك. هذا رأي سفير مخضرم في إفادته لــ(الصيحة) أمس ومضى قايلاً، إن أمريكا تسعى لخلق علاقات إستراتيجية مع السودان لتوسع رقعة تحالفاتها في المنطقة (السعودية ودول الخليج وإسرائيل ومصر وإثيوبيا وجيبوتي وكينيا ويوغندا)، وأنه سبق لإدارات أمريكية متعاقبة خلال فترة الإنقاذ أن أكدت على أهمية الموقع الجغرافي للسودان، وضرورة الإسفادة من هذه المساحة لخدمة المصالح الثنائية والمصالح الأمريكية على وجه الخصوص بعد الإطاحة بالإنقاذ.
أما في ما يخص علاقات السودان مع أمريكا يرى السفير أنه في عهد الإدارة الديمقراطية الجديدة لا نتوقع أن يتغير شئ، فضم السودان إلى الدول المنضوية تحت المظلة الأمريكية كان وما يزال هدفاً حياً مرصوداً، والمصالح الأمريكية في المنطقة ستظل هي بلا تبديل لأنه معروف بداهة أن الاختلاف في سياسات الحزبين يتركز بصورة أساسية على القضايا الداخلية، المتعلقة بحياة المواطن الأمريكي مثل التأمين الصحي والتعليم والحريات العامة وغيرها.
سند دولي
حديث نائب قوات افريكوم بشأن خلق علاقات إستراتيجية مع حكومة الثورة اعتبره معظم المراقبين موقفاً إيجابياً من قبل الولايات المتحدة في مستهل حكومة بايدن، خاصه أن الحكومة الانتقالية كما يقول الخبير السياسي البروفسير عبده مختار تمر بأضعف حالاتها بسبب ما يراه تغول وتمدد للمكون العسكري في مجالات الحكومة التنفيذية، ومضيفاً أن الشعب السوداني يحتاج لهذا الموقف والسند الأمريكي الدولي والأممي وأن يكون هذا السند والدعم على أرض الواقع وليس تصريحاتٍ ووعوداً. وقال مختار لــ(الصيحة) إن الوضع الاقتصادي والضائقة المعيشية لا تستحمل التأخير نتيجة استضعاف المكون المدني وأن الوضع يستوجب تحركاً وسنداً دولياً سياسياً ودبلوماسياً و مالياً عاجلاً لإنقاذ الوضع المتأزم.
تعاون بأوجه جديدة
ما قاله المسؤول الأمريكي ينسجم تماماً مع السياسة المعلنة من قبل الطرفين المعنيين هنا وهناك، وهما القيادة العسكرية الأمريكية والمكون العسكري في الحكومة الانتقالية في السودان. فكلا الطرفين ظلا يعلنان حرصهما على دعم عملية التحول الديمقراطي الذي يقوده المدنيون، وفي ذات الوقت تقوية وتأهيل القوات المسلحة السودانية لتنهض بدورها في التصدي لمخاطر الإرهاب وزعزعة الاستقرار الإقليمي. ويشير مختصون إلى أن علاقة الولايات المتحدة الأمريكية مع القوات المسلحة السودانية لم تنقطع بشكل كامل حتى حين كان السودان يخضع للحصار الأمريكي، وإن لم يكن التعاون حينها يتضمن إمداداً بالأسلحة أو تدريباً للكوادر غير أن الآن وبعد رفع الحصار ووفق ما قال المسؤول الأمريكي الرفيع، سيتم دعم خطط إعادة تأهيل القوات المسلحة السودانية لتنهض بدورها في التصدي لمخاطر الإرهاب وزعزعة الاستقرار الإقليمي، بما في ذلك الدعم المالي والتدريبي لخطط إعادة دمج منسوبي الحركات الموقعة على اتفاقيات السلام، عبر البعثة الأممية التي بدأت عملها في السودان “يونيتاميس وبالتالي دعم التحول الديمقراطي في البلاد.