باشحكيم !!
اسمه بابكير..
وكان مُمرضاً بمنطقتنا قديماً..
أو هو من الذين كان يُطلق على واحدهم صفة (باشحكيم)؛ يعالج كل شيء..
وغالب الأدواء التي كان يُعالجها هذه دواؤها (المزيج)..
ومن الغريب حقاً – حدّ الإدهاش – أنّه كان يعالج فعلاً؛ من الصداع إلى التسمم..
يُؤخذ المريض إلى الشفخانة مسنوداً… أو محمولاً..
وبعد لحظات يخرج على رجليه يضحك مع الذين كانوا يسندونه… أو يحملونه..
وحين يظهر دواء لمرض يستعصى على المزيج، يُروُّج له بابكير..
يطوف به المنطقة من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها… وما وراء النيل شرقاً..
ومن أجل إقناع المترددين يرشف منه جرعات أمامهم..
وفي إحدى جولاته هذه بالغ في محاولة الإقناع فوقع مغشياً عليه من ظهر حماره..
فعولج من الذي تخصص في معالجة الناس به؛ المزيج..
وسر المزيج هذا – وسحره – في العلاج بسيطٌ جداً؛ رشفٌ… فاستفراغٌ… فشفاءٌ..
وكاتب هذه السطور شاهد عصر على ذلك..
ولا أدري أين اختفى هذا المزيج السحري؛ بلونه الجيري… وطعمه الذي (أجْيَر)..
وفي تلكم الأيام ابتكر مديرنا – بالابتدائي – وصفة علاجية للبلادة..
وسمّاها (المزيج)؛ وتتمثل في المزج بين الطلاب… استذكاراً..
فبعضهم مُتفوِّقون في الرياضيات – مثلاً – ومُتعثِّرون في قواعد لغة الضاد..
فيُشكِّل هؤلاء فريقاً مع الذين هُم على النقيض منهم..
أي مُتفوِّقون في العربي – وقواعد نحوه – ومُتعثِّرون في مادة الرياضيات..
وتماماً كما المزيج نجح (الدواء) نجاحاً سحرياً..
ولعلّ مديرنا اقتبس فكرته من فكرة المزيج؛ رغم جهلي بعناصر المزج هذه..
ولكني أعرف علة أخرى ربما تحتاج لمزيج معلوم العناصر..
وهي علّتنا الاقتصادية التي حِرنا جميعاً إزاءها؛ حكومةً… وشعباً… ولجنةً اقتصادية..
فلا الحكومة وجدت علاجاً لها… ولا نحن طبعاً..
والمزج هذا سبق أن أشرت إليه سابقاً في سياق حديث عن (استقامة) الشيوعيين..
استقامتهم (الأخلاقية) تحديداً؛ والتي لا ينكرها إلا مكابر..
فحاجة الحكومة إليها مثل حاجتي أنا إلى شُطار الرياضيات أيام (مذاكرة المزيج)..
ومع هذه الاستقامة شطارة اقتصادية لدى خبرائهم الاقتصاديين..
وهي عناصر مزج ضرورية لا تتوافر الآن في أحزاب التهافت على المُحاصصة..
فهم (يمزجون) بين تواضع القدرات… وتضخم الذات..
مثلهم في ذلك مثل رصفائهم الذين يشاركونهم (تهافتهم) الآن؛ وقلة حيلتهم أيضاً..
وتبقى المعضلة في: كيف يمكن جذب (العنصر) الشيوعي؟..
ومُراهنتي عليه – تحديداً – لأنه الوحيد الرافض لوصفات صندوق النقد (المتوحشة)..
ولأنّه الوحيد – كذلك – الذي عينه على الداخل… لا الخارج..
ثم الوحيد الذي يرضى بما يساوي (حماراً) من بين امتيازات هذه الأيام الخرافية..
ونثرياتها العائشوية… المليارية..
فنحن لا نحتاج إلى (دكاترة) مُنتفخين في الفاضي..
وإنما إلى (باشحكيم) شاطر..
مثل بابكير !!.