بقلم : سفيان الباشا
في رسالتين سابقتين تناولت إصلاح مجلس إدارة مشروع الجزيرة وخلصت أن يتولى رئاسته وزير الزراعة، وأن رئاسة المجلس في وضعها الحالي سببت كثيراً من المشاكل وإعاقة عمل المجلس.
وتناولت كذلك في الرسالة الثانية قضية التمويل والتحديات التي واجهته
وفي هذه الرسالة سوف أتناول قضية الري بوضعه الحالي وآفاق الحلول.
سوف أحاول في هذه الرسالة تشخيص وضع الري بمشروع الجزيرة ومن ثم أدلف إلى المعالجات المطلوبة من وجهت نظري كمزارع وليس مهندس ري مختص.
أول بداية لعمليات الري في مشروع الجزيرة كانت في العام 1918 في منطقة طيبة عبر الطلمبات من النيل الأزرق، ثم ثم البداية الفعلية لمشروع الجزيرة في العام 1925 في امتداد الجزيرة عبر ترعة الجزيرة التي تسحب من خزان سنار في مساحة تقدر ب 1.000.000 فدان، ثم من بعد ذلك اكتملت العمليات في إنشاء ترعة المناقل وقيام امتداد المناقل في مساحة تقدر ب1.200.000 فدان ليصبح بمسماه المعروف الآن (مشروع الجزيرة والمناقل)
تم إنشاء ترعة الجزيرة بعرض 42 متر وبعدد 14 باب وبحجم 5×3 متر لتروي مساحة امتداد الجزيرة
وفي المقابل صممت ترعة المناقل بعرض 50متر بعدد 11 باب بحجم 5×3 لتروي امتداد المناقل وجزءاً من امتداد الجزيرة، وصممت ترعة المناقل بحيث تستوعب أي مستجدادت من حيث توفير مياه إضافية ناتجة من تعلية الخزان، وكذلك استجابته المحتملة للإضافة أي مساحة لمشروع الجزيرة.
ويلاحظ من ذلك أن عدد الأبواب في ترعة الجزيرة أكثر من الأبواب في ترعة المناقل مع أن ترعة المناقل أكبر حجماً من ترعة الجزيرة.
هذا الوضع أحدث تغييراً كبيراً في تصميم الترع وخاصة في ترعة المناقل فقد أدى ذلك إلى ترسيب نسبة كبيرة من الأطماء، بسبب ضعف التيار الناتج من العدد القليل للأبواب وقد ظهر جلياً في قياس حجم المياه المتدفقة عبر ترعة المناقل من خزان سنار.
عندما تعلن إدارة الري بأن المنسوب تم رفعه من خزان سنار إلى 38 مليون متر مكعب في ترعتي الجزيرة والمناقل، ومع ذلك يعاني كثير من المزارعين نقصاً في المياه
فهذا يعني أن نسبة المياه التي يتم قياسها في ترعتي الجزيرة والمناقل غير صحيحة، بسبب الأطماء في ترعة المناقل والتي تشغل حيزاً كبيراً داخل الترعة مما يجعل طريقة القياس غير سليمة، ويؤكد ذلك كذلك أن نسبة المياه عند أول قنطرة في ود الأمين تجدها ناقصة بمقدار 5 ملايين متر مكعب.
أما واقع القنوات الأخرى من كنارات ومواجر وترع وأبوعشرينات فحدث ولا حرج فالمواجر أصبحت شبيهة بالترع في كثير منها ولا تقوى على حمل المياه بالشكل المطلوب بسبب الأطماء، والضيق الذي أصبح سماتها العامة وأن المياه المتدفقة عبرها لا تفي حاجة الترع حسب تصميمها وأن كثيراً من الأبواب في بدايتها لا تعمل ومعطلة في كثير منها. هذا الوضع لم يمكنها من القيام بدورها الذي صممت من أجله.
أما الترع والتي تقدر بعدد 1800 تقريباً فقلما تجد منها ترعة بها أبواب تحكم في الفم أو أبواب وسيطة أو خلافه، فقد تم تخريباً جميعاً مما جعل الترع عبارة عن ممر مائي دون القدرة على التحكم في المياه من حيث منسوب المياه وتوزيعها بالشكل المطلوب، وفي غالب الأحيان تكون ممراً للمياه إلى المصارف إلى خارج مشروع الجزيرة،
أما قنوات أبوعشرين فمعظمها أصبح يحفر بطريقة غير صحيحة بتدخل الكراكة في حفره، ويأتي هذا الأمر بسبب زراعة الأرض أكثر من مرة في العام الواحد مما يصعب على حفار أبوعشرين القيام بذلك.
أما فيما يلي جانب المزارعين والإدارة الزراعية نجد أن الزراعة أصبحت غير منتظمة من حيث التركيبة المحصولية والدورة الزراعية، بل الأمر تعدى ذلك بأن أصبح المزارع في كثير من المكاتب يزرع الأرض مرتين في العام يتم زراعتها صيفاً ومن ثم يتم إعادتها لتزرع شتاءً.
هذا الوضع شكل ضغطاً إضافياً على عمل الري وقنواته وأدى إلى إهلاك قنوات أبوعشرين والترع كذلك وأدى إلى عدم وصول المياه للمزارعين في أواخر المؤجر وأواخر الترع، فاستأثر المزارعون في بداية الترع بمياه الري على حساب زملائهم من المزارعين في أواخر الترع،
وأن الدافع الرئيسي للمزارعين في ذلك هو نسبة الفائدة الكبيرة التي جنوها من الزراعة في الأعوام الأخيرة عندما تم تحرير زراعته بفضل قانون مشروع الجزيرة المعدل 2014 وتحريرها من حيث اختيار المحاصيل وحرية تسويقها، هذا الوضع فتح شهية المزارعين للزراعة وجعلوا منها إضافة لدخولهم الاقتصادية ومع هذا الخراب الذي حدث فقد حققوا كذلك إنتاجاً قياسياً في محاصيلهم المختلفة، حيث ارتفع إنتاج الفدان في القطن من 4 قنطار إلى 20 وفي القمح ارتفع إنتاج الفدان من 7 إلى 25 جوالاً.
مما سبق أعلاه يمكننا أن نذهب مباشرة إلى وضع الحلول وآفاق مستقبلها
أولاً، يجب أن يتم زيادة الأبواب في ترعة المناقل عند خزان سنار من 11 إلى 15 باب، وهذا بدوره سوف يؤدي إلى تحريك الأطماء الموجودة بالترعة والتخلص منه.
تطهير ترعتي الجزيرة والمناقل بشكل يعيدهما إلى تصميمها الأول
تطهير المواجر الرئيسية بشكل يجعل منها مواجر ذات حيوية وعمل جيد،
إعادة تطهير الترع بشكل يعيدها إلى وضعها الطبيعي وتركيب وصيانة الأبواب بها إن كان في الفم أو الوسيطة وصيانة دوراناتها.
يمنع منعاً باتاً زراعة الأرض مرتين في العام الواحد في القوت الحالي ويتم سن قانون لذلك يكون قوياً ورادعاً لمن يخالف من المزارعين، وكذلك ضبط عملية الدورة الزراعية والتركيبة المحصولية بلائحة ضابطة وحاسمة، ردم أبوعشرينات التي لم يتم زراعتها في موسم الصيف وكذلك ردم أبوعشرينات في الشتاء للتي فرغت من العمل في العروة الصيفية، مع مسح أبو عشرينات التي تم حفرها على طريق الكراكة ليتم إعادة حفرها عبر حفر أبوعشرين بشكل فني.
لابد من تضمين عمليات حفر أبوعشرين مع رسوم الري والإدارة على أن توكل إدارة حفرها لإدارة الري، إحكاماً لعمليات حفرها فنياً
إعادة نظام الخفراء للقناطر مع وجود نيابة مختصة وشرطة مخصصة لمشروع الجزيرة إنفاذاً للقانون وتطبيقاً للوائح والنظم.
أما فيما يخص الرؤية المستقبلية لمعالجة مشاكل الري وحتى يتمكن المزارع والدولة معاً من الاستفادة من المياه المتدفقة بسبب زيادة سعة الخزانات في الرصيرص، والمياه المتوقع تدفقها من سد الألفية (النهضة) في إثيوبيا فيجب أن يتم الآتي:-
إنشاء ترعة ثالثة من خزان سنار اضافه للترعتين السابقتين الرئيسيتين ليتم ري مشروع الجزيرة والمناقل بثلاثة ترع رئيسية بدلاً من اثنين كما هو الحال الآن،
معالجة مشكلة بزيارة الحداد ووضعها الحالي لا يسمح برفع منسوب المياه في الترعة الرئيسية إلا بعد اغراقها، البدء في إنشاء بوستر (مناول) في النيل الأزرق في منطقة أبوعشر لري الأقسام التي تقع شمال مشروع الجزيرة،
وقبل كل ذلك لابد من الضغط على وزارة المالية الاتحادية لتوفير المال اللازم لأعمال الصيانة وإنشاء المشارئع المقترحة.