:: عندما يضعف النظام، تقوى الفوضى.. وعلى سبيل المثال، قبل أسبوع بولاية كسلا، خرج الأهل في تظاهرة أغلقت الطرقات، احتجاجاً على اعتقال القيادي بالنظام السابق إبراهيم محمود حامد بأمر لجنة تفكيك التمكين.. وقبل أن تمضي على التظاهرة (72 ساعة)، ومع إعلان موعد التظاهرة الثانية، أطلقت النيابة سراح إبراهيم محمود.. والجدير بالذكر، إن اعتقال إبراهيم محمود دام لمدة (5 أشهر)، دون تقديمه للمحاكمة..!!
:: وعلى سبيل مثال آخر، بولاية نهر النيل، ألقت لجنة إزالة التمكين القبض على نائب شورى قبيلة الجعليين عبد الله محمد عثمان، فاستنفر مجلس شورى الجعليين الأهل هناك، ليغلقوا طريق التحدي (الخرطوم – عطبرة).. ثم اشترطوا – على فتح الطريق – إطلاق سراح هذا الزعيم العشائري (فوراً).. ثم فتحوا الطريق بعد تنفيذ لجنة تفكيك التمكين لشرطهم، أي تم إطلاق سراح عبد الله محمد عثمان (فوراً)..!!
:: وعلى سبيل مثال ثالث، بالقضارف أيضاً، تظاهر الأهل وزحفوا إلى مقر لجنة تفكيك التمكين، احتجاجاً على قراراتها ذات الصلة بالأراضي، ولم يجدوا في مقر اللجنة أعضاءها، إذ لاذوا بالهروب.. وكذلك الحال بالبحر الأحمر، تظاهر الأهل وزحفوا صوب مقر لجنة التمكين احتجاجاً على قراراتها ذات الصلة بالقيادي في النظام السابق محمد طاهر ايلا، ولم يجدوا أعضاء اللجنة، حيث فروا..!!
:: هكذا تعلو سطوة القبائل – يوماً تلو الآخر – على سُلطة الدولة.. وكما تعلمون فإن القبائل لا تعلو على الدولة إلا عندما يتم تقزيم مؤسسات الدولة – لحد الهوان – بالسياسات الخاطئة.. نعم، فالفوضى لا تقوى إلا عندما يتم إضعاف المؤسسات الرسمية المنوط بها مهام حماية وإدارة حياة الناس.. ولتقوية مؤسسات الدولة – وترسيخ مؤسسيتها – كثيراً ما ناشدت الحكومة بالتخلُّص من الكيانات التي تم تشكيلها خارج مؤسسات الدولة، وما أكثرها..!!
:: نعم، ناشدت حكومة ما بعد الثورة بالتخلُّص من (الكيانات الهلامية) التي ظلّت تعربد خارج مُؤسّسية الدولة.. هيئات ومجالس وصناديق ولجان وكيانات كثيرة و(غير مُفيدة)، كان يُراد بها ترسيخ التمكين في عهد النظام المخلوع، وهي التي أفسدت مؤسسية الدولة، وكان يجب التخلُّص منها.. ولكن السادة لم يستبينوا النصح، بل مضوا على (خُطى العشوائية)، بتشكيل لجان خارج مؤسسات الدولة، ومنها لجنة إزالة التمكين التي أصبحت من مصادر ثورة القبائل..!!
:: لم – ولن – تخرج القبائل ضد القضاة ووكلاء النيابات، أي كما تخرج ضد أعضاء لجان التمكين بالقضارف وكسلا ونهر النيل.. وكذلك لم – ولن – يحتل المتظاهرون، المحاكم والنيابات، أي كما احتلوا مقار لجان التمكين بالقضارف والبحر الأحمر.. وهذا هو الفرق بين المؤسسات العدلية واللجان السياسية، بحيث إحداها ذات هيبة وتُحظى بثقة واحترام الشعب، بيد أن الأخرى كما ترونها، يتظاهرون ضدها ويحتلون مقارها، فتبتلع قراراتها..!!
:: لو كانت الحكومة جادة في تحقيق العدالة، لراهنت على مؤسسات الدولة القضائية والنيابية، وليس على لجنة سياسية تجردها القبائل من هيبتها لحد التظاهر ضد قراراتها واحتلال مقارها، فتطلق سراح من تقبضهم، ليس لعدم كفاية الأدلة، بل امتثالاً لأمر القبائل.. ولو كانت الحكومة جادة في مكافحة الفساد، لراهنت على القانونيين فقط، وليس على لجنة جمعت عضويتها (كل المهن).. ولو مثل هذا الكيان يليق بشكل دولة المؤسسات، فليكن النائب العام طبيباً ورئيس القضاء مهندساً..!!