يعتبر الطب العدلي أو الطب الشرعي واحداً من أهم ركائز العدالة الجنائية والقضائية، وهو كما يُعرفه العلماء بأنه فرع من فروع المعرفة الطبية يهتم بمعالجة الجانب الطبي للقضايا التي تعرض على القضاء، ويستعين بالمعرفة والخبرة الطبية في معالجة هذه القضايا، والطب العدلي (القضائي) ركن أساسي من أركان مكافحة الجريمة والوقاية منها.
للقضاء السوداني تجارب كثيرة وثرة في التعامل مع المختصين في عمليات التشريح وتقاريرهم باعتباها شهادات فنية علمية، يقدمها مختص لا علاقة له بأطراف القضية المتنازع حولها في المحكمة.
فالتشريح علم مبني على التقديرات التي تحدد تاريخ وظروف الوفاة للجثث السليمة والمحروقة والغريقة وغيرها، بالإضافة إلى فروقات كبيرة لما يعتري تغييرات مسرح الجريمة، وما يهم القضاء في كل هذه العملية معرفة أسباب الوفاة لتحديد المسؤولية الجنائية.
من خلال متابعاتنا للكثير من المحاكمات والاطلاع على الكثير من التقارير الصادرة عن الطب العدلي فإن الطبيب الشرعي عادة يقوم بإجراء الفحوص الداخلية والخارجية وتحديد الزمن التقريبي الذي مضى على الوفاة، مع استصحاب العوامل التي تؤثر على الجثة والأخذ في الاعتبار لعوامل التحلل والوسط المحيط بالجثة وهل هي في الهواء أو الماء أو تحت التراب؟، كل هذه الظروف تضع الطبيب الشرعي في مقام المجتهد، لأن هذه الأوضاع تحتمل أكثر من رأي، كما يحدث تماماً عند الأطباء المعالجين للمرضى إذ يسلك كل طبيب طريقاً خاصاً به للعلاج.
كثير من القضايا أمام المحاكم تضاربت حولها تقارير طبية لواقعة واحدة، لأن الطب يحتمل هذا النوع من الاجتهاد النبيل، ولو أخذنا مثلاً قضية المرحومة أديبة التي شغلت الرأي العام في فترة ماضية فإن هناك تقريرين منفصلين من مختصين في الطب العدلي تناقض بعضها، لا نستطيع القول بأن دكتور جمال أو دكتور عقيل، مخطئ أو مصيب، وإنما نقول لدكتور عقيل أجر الاجتهاد، وقضية دكتور جمال مدير مشرحة أم درمان لا علاقة لها بأي تداعيات سياسية، واجتهاداته أياً كانت صورتها، فإنه لا يجوزالحديث عنها طالما أنها تحت التحقيق.
*أفق قبل الأخير
الطب العدلي عادة يرجح ولا يجزم بالأسباب، وكذلك نرجح بأن دكتور جمال له أجر الاجتهاد.
*أفق أخير
القاعدة العدلية بالمحاكم ترى أن أي شكوك لمصلحة المتهم