انسدَّ الأفق تماماً أمام الحكومة الانتقالية وعجزت في إيجاد أي حلول للمشكلات الاقتصادية والسياسية، فقد زادت معاناة الشعب السوداني بشكل مقلق من جراء البحث المتواصل عن لقمة عيش تسد رمغ الجائعين، حيث بات الحصول على كيس خبز أو أنبوب غاز حلماً بعيد المنال، وبهذا أعتقد أن هناك أزمة كبيرة يعيشها السودان جراء عجز الحكومة في توفير سبل العيش الكريم للمواطن الغلبان، وقد فشل الجهاز التنفيذي في إدارة هذا الملف الهام والذي يجب أن يمثل أولوية للحكومة الحالية، هذا من الجانب الاقتصادي.
أما من الناحية السياسية تجدني أتفق تماماً بما ذهب إليه الفريق محمد حمدان دقلو نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي حينما قال: (إن التحول الديمقراطي في السودان هو الخيار الأمثل والأفصل) وهذا يعني أن المعالجة الجذرية والمستدامة لفشل الحكومة في المجالات كافة يتمثل في الاحتكام لصندوق الانتخابات والرجوع للشعب ليفوض من يمثلة في إدارة مؤسسات الدولة.
بالرغم من اتفاقي التام مع القائد في ضرورة التحول الديمقراطي في ظل الظروف الآنية المعقدة إلا أن هناك سؤالاً يفرض نفسه هنا كيف تقيم الحكومة انتخابات مبكرة وهي مقيدة بالوثيقة الدستورية؟ وكيف تقام الانتخابات بعد تمديد الفترة الانتقالية بناءً على توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة وحركات الكفاح المسلح؟ والاتفاقية أصبحت جزءاً من الوثيقة الدستورية، وبالتالي سوف تواجه دعاة قيام الانتخابات المبكرة عدد من العقبات القانونية والدستورية التي يصعب تجاوزها.
هذا من ناحية أما من ناحية أخرى قيام الانتخابات يجب أن تسبقه ترتيبات وتوافقات سياسية واجتماعية شاملة، من الصعوبة بمكان إجراء انتخابات والمجتمع منقسم على نفسه يميناً ويساراً ..!ويعيش حالة من الاحتقان والانقسام السياسي الحاد بين أنصار النظام السابق وبين أنصار الحكومة الحالية، هذا يتطلب جهداً كبيراً من القيادة في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين، مع تناسي مرارات الماضي وإيقاف الممارسات الممنهجة المتمثلة في الإقصاء والتهميش والتنكيل، وحرمان أنصار النظام السابق من حقهم الدستوري المتمثل في العمل وممارسة النشاط السياسي وفقاً للقانون.
قيام انتخابات مبكرة سوف تكون مرضية لجميع الأطراف السياسية ويتطلب قيامها تهيئة الظروف لقيامها، ومن أهم الترتيبات قيام مفوضية الانتخابات على أن تكون من الخبراء المستقلين والقانونيين المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة المهنية. ومن مهام هذه المفوضية هي إجراء إحصاء سكاني عام وشامل يشمل كل أهل السودان، ولا يستثني الإحصاء المواطنين داخل المناطق التي تسيطر عليها حركات الكفاح المسلح في المنطقتين ومناطق جنوب دارفور وكذلك المواطنين في النزوح واللجوء، سواء كانوا يقمون داخل أو خارج السودان. وكذلك تقسيم الدوائر الجغرافية القومية والولائية بشكل علمي وفني يقوم على تناسق المكونات المجتمعية، القاطنين داخل الرقعة الجغرافية المحددة مع مراعاة الكثافة السكانية للدائرة.
أعتقد جازماً في حالة تعذر قيام انتخابات مبكرة وعجز الحكومة في استكمال مؤسسات الفترة الانتقالية من مؤسسات تشريعية وتنفيذية، وهذا يؤكد إلى أي مدى التباين في وجهات النظر بين مكونات الحرية والتغيير الحاضنة السياسية الحاكمة والمكون العسكري، وفي حالة استمرار هذا الانقسام واستفحال الأزمات الأمنية والاقتصادية والسياسية تظل كل خيارات التغيير متاحة، سواء كان ذلك عبر خروج الشارع المحتقن أصلاً، أو عبر انقلاب عسكري يقوض كل هذه المجهودات المبذولة لتحقيق أهداف الثورة،ومن ثم إعادة الجميع إلى مربع ما قبل الثورة أو حرب أهلية تقضي على الأخضر واليابس لا سمح الله.
الله من وراء القصد وهو يهدي السبيل