إيجابية المدنيين تجاه العسكر.. تغيير مواقف أم عودة وعي؟
تقرير- صلاح مختار
فرضت الظروف الاقتصادية والسياسية والأمنية، واقعاً جديداً على بعض القوى السياسية كي تُغيِّر نظرتها التي بدأت تساند المكون العسكري جهراً. ربما نظر البعض إلى أن الحُب قد يأتي من بعد عداوة، ولذلك عندما بدأت العلاقة بين المكونين يشوبها الانسجام في الظاهر، كانت بعض الحجارة تُقذف لتقع في ملعب المكون العسكري منذ بداية الانتقالية، ليصبح هنالك سِجَالٌ في التصريحات المُعادية والمنتقدة وصلت عند البعض إلى الاستهداف البائن عند أهل القانون تسمى بالبينونة الكبرى. ولكن دوماً لا تأتي الرياح بما تشتهي الأنفس أمام القضايا الوطنية، لتتراجع تلك السِّهام إلى تصريحات داعمة للمكون العسكري في كثير من المُناسبات، ليصبح السؤال هل تلك التصريحات الداعمة للمكون العسكري منطلقة من مبدأ حقيقي أم عودة وعي أم تكتيك مرحلي يتوافق وفق معطيات الساحة الداخلية والخارجية؟.
خلط الأوراق
قد تتمازج الألوان عند بعض القوى السياسية، فلا تستطيع معها عملية الفرز، وبالتالي تتداخل الخطوط الحمراء مع بقية الألوان، لتصبح الثوابت ثانوية عندها وعندما يتداعى الموقف الوطني، غير أنّ القاعدة الذهبية لتلك المواقف تشذ عند بعض القوى السياسية.
مؤخراً، أعلن حزب الأمة القومي، دعمه للقوات المسلحة وتقديره لمجهودات أفرادها ضباطاً وجنوداً في حماية حدود البلاد كافة والدفاع عنها، وقال الحزب في بيان له إنّ الحدود الشرقية مع الجارة الشقيقة إثيوبيا معلومة ومحددة تاريخياً ولا خلاف عليها. وما يحدث من اعتداءات وتوترات في هذه المنطقة بسبب الأوضاع الأمنية داخل الأراضي الإثيوبية، وطالب بسرعة تكوين قوات مشتركة لتأمين هذه الحدود ومراقبتها من أنشطة الإتجار بالبشر والهجرة غير المشروعة.
مواقف إيجابية
ولم يشذ تجمُّع المهنيين عن البقية، فقد أكد دعمه ومُساندته للقوات المسلحة من أجل استرداد الأراضي السودانية، وأوضح مولانا إسماعيل التاج القيادي بتجمع المهنيين في مؤتمر صحفي، أن التجمُّع يتطلّع للسلام مع كافة دول الجوار ولا يسعى لدق طبول الحرب مع أي منها. كذلك اعتذرت وزيرة المالية هبة محمد علي في وقت سابق إلى القوات المسلحة بسبب تأخُّر صرف مرتب شهر أغسطس الماضي، وقالت خلال مؤتمر صحفي في “سونا” (التحية لكل الجنود المُرتكزين في الحدود). فيما تغيّرت المواقف في بعض الملفات التي كانت ساخنة وحاضرة في كثير من العلاقات بين المكونين، حيث أكدت وزارة المالية أنه ليس في نيّة الدولة حل شركات الجيش هذه أو الاستيلاء عليها، خاصةً تلك التي تعمل في قطاع التنمية وتلك التي لها أعمالها في قطاع الصناعات العسكرية، وتدير أعمالها بشفافيةٍ، فيما أوضحت أن الشركات العاملة في الصناعات العسكرية البحتة ستبقى تحت إشراف وزارة الدفاع، وأكدت أنّ خطة الإصلاح التي اقترحتها لإصلاح الشركات العسكرية والأمنية هي نفس خطة المدنية، كذلك أعلنت “الجبهة الثورية” السودانية، دعمها بشكل “لا محدود” لجيش بلادها في مواجهة الاعتداءات الحدودية المتكررة. جاء ذلك، وفق بيان للجبهة (حركات مسلحة)، عقب أكثر من شهرين على توقيع اتفاق السلام في جوبا مع الحكومة السودانية، في 3 أكتوبر الماضي. وأفاد البيان بـ”تأكيد الجبهة الثورية دعمها اللا محدود للقوات المسلحة في تصدِّيها للعدوان، وفي حمايتها للأرض والعرض، وتؤكد وقوفها معها في خندق واحد من أجل حماية سيادة السودان أرضاً وشعباً”.
عودة الوعي
في الظروف السياسية المائعة، تغلب وجهات النظر وخروج البعض من (قحت) وبداية التملص بسبب فشل الحكومة، تباين المواقف لبعض القوى السياسية تجاه القوات المسلحة وهو يؤدي دوره دفاعاً عن الأمن القومي، تلك كلمات قالها المحلل الاستراتيجي الفريق محمد بشير سليمان لـ(الصيحة)، وحدّد تلك المواقف ما بين التكتيكي وعودة الوعي الوطني، وأضاف أنّ تلك المواقف تجاوز أيِّ موقف سياسي، وبالتالي يفرض ذلك واقعاً يثبت بأنه لا يمكن أن تقوم أي دولة دون قوات مسلحة قوية. ويرى أن الموقف الإثيوبي كان له دور في الحوار بين المكونين العسكري والحرية والتغيير وفي توقيع الوثيقة الدستورية، ولكن لأن السياسة لا ثوابت فيها، كذلك لا توجد عداوة كاملة، وإنما التوازن بين الأمرين، فإن الموقف الإثيوبي على الحدود الشرقية أحسب أن أي وطني وغيور على دولته يقف مع الجيش إلا خائن، وأن الأمر لا يتعلق بالسيادة الوطنية.
موقف تكتيكي
ولأنّ بعض المكونات كانت تتحدّث سلباً عن القوات المسلحة، فإن بعض القوى السياسية كما يقول بشير الآن أصبحت على قناعة بأن الجيش مبرأ من كل عيبٍ، لأنه يقوم بأدوار في الحفاظ على الأمن القومي والذود عن تراب الوطن، وقال عندما تقوم القوات المسلحة بأدوارها الحقيقية في الوضع الطبيعي تصبح مثلها مثل أي مُكوِّن في الدولة يقوم بدورها، ولذلك موقف بعض القوى السياسية ليس موقفاً تكتيكياً، بل موقفٌ أصيلٌ تجاه الدولة ولا بد للسلطة ومؤسساتها والخدمة المدنية أن تكون تلك رؤيتها.
القاعدة الذهبية
ويرى الكاتب والمحلل السياسي عبد الله آدم خاطر: أياً كانت تلك التصريحات، فإن القاعدة الذهبية لنجاح الفترة الانتقالية هو التعاون بين المكونين المدني والعسكري لإنفاذ بنود الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية المعدلة في (2020)، ويقول لـ(الصيحة): بالفعل القضايا التي أثيرت حول المكون العسكري خاصةً حول قضايا الاعتصام وشهداء الاعتصام والقضايا الأخرى، أُثيرت في سياق سالب، وأضاف بأنها بالفعل لها تأثير، ولكن المواطن يعلم أن القضايا الاقتصادية والتحول الديمقراطي والمحاكمات هي من أولوياته. وقال إن المجتمع الدولي سواء كان أمريكا أو الاتحاد الأوروبي، أكد أنه مع التحول الديمقراطي وتعزيز دور المدنيين في التحول الجديد، ولذلك اياً كانت الظروف من واجبنا بناء الجيش من أجل حماية القضايا الدستورية والمُساهمة في بناء الوطن وحماية الحدود وحُسن التصرُّف الدستوري.