الخرطوم: جمعة عبد الله
مرَّ قرار حكومة ولاية الخرطوم، باعتماد بيع الخبز بالوزن، كقرارات سابقة تم إصدارها دون متابعة تنفيذ، فيما يصف مراقبون أن القرار خلا من تحديد آليات رقابية واضحة تحدد كيفية ومسؤولية تطبيقه. وكشفت المتابعات عن استمرار مخابز بالعمل دون موازين، فيما تبدو الصورة أكثر قتامة بالولايات، حيث تتضاعف أسعار الخبز المدعوم إلى “15 – 20” للقطعة، مع عدم كفاية حصص الدقيق إلا لجزء يسير من حواضر الولايات وبعض المحليات، حيث تشير المتابعات لوجود نقص في حصص الدقيق يفوق 70% من الكميات المقررة.
قرارات سابقة
وتتزايد الشكوك حول تطبيق قرار بيع الخبز بالوزن، لجهة صدور نفس القرار مرتين خلال العام المنقضي دون أن يتم تطبيقه، ففي المرة الأولى أصدرت وزارة الصناعة والتجارة قراراً بإلزام المخابز باعتماد نظام الوزن في بيع الخبز ووضع الميزان الرقمي في مكان بارز ليتمكن المواطن من رؤيته والتأكد من حجم الخبز، وألحقته الوزارة الولائية بقرار شبيه بنفس التفاصيل السابقة، وفي كلا الحالتين لم يطبق القرار وتجاهلت المخابز إنفاذه، كما لم تتحرك السلطات المختصة بالوزارتين لمتابعة التطبيق.
قرار فردي
وعلمت (الصيحة) أن قرار حكومة الولاية ببيع الخبز بالكيلو تم دون إشراك أصحاب المصلحة، ووصفه مصدر بالشعبة تحدث لـ(الصيحة) بأنه التفاف على المطالب التي دفعت بها الشعبة للوالي، مشيراً إلى أن القرار صدر بشكل مفاجئ لهم، لجهة أنهم كانوا في انتظار تحديد موعد لمقابلة الوالي ومناقشة التسعيرة وكيفية الحل. وزاد المصدر: أن الوالي عقد اجتماعاً منفرداً مع شركة الخرطوم للأمن الغذائي التي تتولى توزيع الدقيق، دون إشراك الشعبة، وتم بعدها بيوم واحد إصدار قرار البيع بالكيلو، ووصف الخطوة بأنها “لن تحل المشكلة”.
رفض القرار
وفي الأثناء، أبدت الشعبة وأصحاب المخابز، عدم ترحيبهم بالقرار مشيرين إلى أنه “لم يخاطب أسباب أزمة صناعة وإنتاج الخبز”، وقالوا إن الموازين لم تكن المشكلة التي لجأت الشعبة وأصحاب المخابز للحكومة للبحث عن حل لها، مشيرين إلى أن مشاكل الخبز معلومة للوزارة ولكل السلطات وليس من بينها عدم وجود ميزان، وطالبوا الوزارة بالالتفات لحل المشكلات التي سبق طرحها وتمليكها للجهات المختصة لحل أزمة الخبز كلياً.
وأوضح عضو شعبة المخابز، الباقر عبد الرحمن لـ(الصيحة) أن مشكلات التسعيرة ما تزال قائمة، مستبعداً حل الأزمة عبر تطبيق بيع الخبز بالكيلو. بدوره قال نائب رئيس اللجنة التسييرية لشعبة المخابز إسماعيل عبدالله إن قرار الوالي ظالم ومعيب في ظل ارتفاع تكلفة إنتاج الخبز، وشدد على عدم إشراك شعبة المخابز في قرار بيع الخبز بالكيلو، مشيراً إلى أن سعر الكيلو بسعر 50 جنيهاً لايغطي التكلفة، التي قد تجعل من سعر الكيلو 60-75جنيهاً، وأوضح بأن العمل بالكيلو لن يستقر بالمخابز.
عدم تطبيق القرار
ورصدت متابعات (الصيحة) بعدة مخابز أمس، عدم إنفاذ قرار بيع الخبز بالكيلو حيث ما تزال المخابز العاملة تستخدم ذات الطريقة القديمة بعدد الأرغفة مع تباين أسعار وأحجام القطع من مخبز لآخر.
وفي أحد مخابز الكلاكلات جنوبي الخرطوم، قال المشرف على الوردية، أحمد علي الحاج، إنهم لم يستخدموا ميزاناً لوزن الخبز المباع للمواطنين، موضحًا أنهم سمعوا بقرار توفير الميزان دون أن يصلهم أي إخطار رسمي بذلك، لافتًا إلى أن المخبز لا يمانع في وضع الميزان وتوفيره ليتأكد المواطن من حجم الخبز، لكنه أشار إلى أن هذا الأمر لا يشكل بالنسبة لهم أي مشكلة لجهة عدم ورود شكوى من المواطنين المتعاملين مع المخبز بنقص حجم قطعة الخبز، ولفت إلى أن الخبز يوزن مسبقاً كعجين ويقسم إلى قطع متساوية.
مضيفاً، بناءً على ذلك يصبح الحديث عن الوزن أمراً يتعلق بوجود شك في مخابز تخالف وزن الخبز، لافتاً الى أن حملات الرقابة الدورية قادرة على ضبطها ومحاسبتها.
وفي مخبز مجاور، بالكلاكلة اللفة، أكد عمال بالمخبز، عدم استخدام ميزان وهو ما رصدته (الصيحة) فعلياً حيث خلت الواجهة الأمامية من وجود الميزان، وبرر العمال الأمر بعدم ورود توجيه رسمي لهم بذلك، مشيرين إلى أن صاحب ومالك المخبز أيضاً لم يشر لهم بأن هناك طلباً بضرورة وجود الميزان أمام المواطنين للتأكد من حجم ووزن قطع الخبز، وأكدوا نفس الملاحظة السابقة بأن الخبز يوزن مسبقاً كعجين ويقسم إلى قطع صغيرة متساوية.
وخلال الجولة تكررت ذات المشاهد والإفادات، فخلال مرورنا بأكثر من 6 مخابز أكد العاملون عدم وجود ميزان، فيما سخر آخرون من المقترح نفسه، وقالوا إن توفير ميزان من عدمه لن يغير شيئًا من أزمة الخبز المستفحلة، بغير حل المشكلات الحقيقية التي تسببت في استمرار الصفوف ودخول بعض المخابز في خسائر تشغيلية وإغلاق البعض الآخر كلياً وتوقفها عن العمل بسبب تجاهل السلطات حل المشكلات، والانشغال بقضايا وصفوها بالثانوية ولا ترقى إلى درجة الأهمية لغلاء تكاليف التشغيل ككل، ونقص حصص الدقيق المدعوم إضافة لمشكلات الطاقة المتمثلة في انقطاع الكهرباء والجازولين الذي تم تحرير أسعاره وصعوبة الحصول على الغاز هذه الأيام.
مطالبات
وتطالب اللجنة التسييرية لأصحاب المخابز برفع أسعار الخبز لتتماشى مع تكاليف الإنتاج المتغيرة، ولم تكتف الشعبة بالمطالبة فقط، بل دفعت بتصور كامل لتكلفة الإنتاج والتشغيل أوضحت فيه أن أدنى سعر لقطعة الخبز يجب أن يكون “5” جنيهات، وهو ما رفضته حكومة الولاية فدخل الطرفان في مواجهة بشأن تسعيرة الخبز، التي يراها أصحاب المخابز بحاجة لتعديل فوري ورفع سعر قطعة الخبز إلي “5” جنيهات على الأقل، فيما تتمسك حكومة ولاية الخرطوم وتحديداً الوالي أيمن خالد، بإلزام المخابز بالعمل وفق التسعيرة القديمة “جنيهان للقطعة وزن 45 جراماً”، وهو ما ترى المخابز أنه “استنزاف مستمر وخسائر تحملوها كثيراً”، ولما صعدت الشعبة من لهجتها أصدرت حكومة الولاية قرار البيع بالكيلو.
وأشار الأمين العام للجنة التسييرية لأصحاب المخابز، الباقر عبد الرحمن، لمراوحة مشكلة عمل المخابز مكانها دون مستجدات. وأوضح الباقر لـ(الصيحة) أنهم كانوا في انتظار مقابلة والي الخرطوم للخروج بنتيجة واضحة حول التسعيرة، وهي الخطوة التي لم تتم حسب تأكيده، موضحاً أن الوالي عقد اجتماعاً أمس مع شركة الخرطوم للأمن الغذائي، بشكل منفرد، دون مشاركة اللجنة التسييرية للمخابز.
ويرى الباقر أن الحكومة عليها تحمل مسؤولية خروج المخابز عن العمل لعدم استجابتها للمُتغيرات التي طرأت على صناعة الخُبز، وأوضح أن تحرير أسعار الوقود ألحق أضراراً بالغةً بصناعة الخبز، نسبةً للزيادات الكبيرة التي طرأت على أسعار مُدخلات الإنتاج، وأشار لفشل حكومة الولاية في السيطرة على غاز المخابز وأسعاره، حيث استفحلت أزمة الغاز وزادت سوءاً وتسببت في توقف العديد من المخابز.
خروج من المهنة
بدوره أعلن عضو اللجنة السابق، عصام عكاشة، أنه قام بإغلاق “4” مخابز خاصة به لعدم قدرته على تحمل الخسائر، موضحاً أنه خرج من العمل كلياً، كاشفاً عن إغلاق عدد كبير من المخابز أبوابها وتوقفها لذات الأسباب، منها مخابز مملوكة لأعضاء باللجنة، قاطعاً بأن تحديد البيع بالكيلو لن يؤدي لحل المشكلة لكونه ليس سببها.
سياسات حكومية
وتنتهج الحكومة سياسة دعم جزئي لصناعة الخبز، تشمل توزيع الدقيق على المخابز بسعر مدعوم، مقابل عمل المخابز بتعرفة الجنيهين، إلا أن الاعتراض من أصحاب المخابز، في كون بقية مدخلات إنتاج وصناعة الخبز “ليست مدعومة” وأسعارها في تزايد مستمر، مشيرين إلى أن كرتونة الخميرة وصل ثمنها إلى ما يقارب الـ “10” آلاف جنيه، وجركانة الزيت “9” آلاف جنيه، كما ارتفعت أجور العمالة، وتعرفة الكهرباء، علاوة على تحرير أسعار الوقود، ومضاعفة أسعار غاز المخابز نحو ثلاثة أضعاف مع انعدامه في كثير من الأحيان، وحالياً تمر البلاد بأزمة غاز خانقة، وتشكل هذه المدخلات نسبة عالية من إجمالي التكلفة بحيث أصبح دعم الدقيق وحده “لا يكفي”، ولا يمثل شيئاً إما تكلفة التشغيل الإنتاج.