تقرير- صلاح مختار
بدأ سيناريو الانتخابات المبكرة يطل على الساحة السياسية عقب تداعيات الراهن السياسي، فيما يتعلق بعملية تشكيل الحكومة الانتقالية عقب وصول البلاد وحملة السلاح إلى اتفاق بعاصمة الجنوب قضى بضرورة تشكيل حكومة انتقالية جامعة. ومنذ عودة قيادات الجبهة الثورية وشركاء السلام للداخل لا زالت خطوات التشكيل تراوح مكانها لجهة أن إشكاليات كثيرة ظلت تعترض سبيل القوائم المتفق بشأنها، وهذا الأمر أشاء للبعض إمكانية توجه الحكومة الانتقالية عقب القناعة لضرورة إجراء انتخابات مبكرة للمكونات السياسية في السودان دخولاً لعهد ديمقراطي جديد، ولكن بصورة متعجلة لتلك الصعاب التي تعترض سبيل الانتقالية في عهدها الراهن.. فهل ستكون الانتخابات المبكرة أحد الخيارات المهمة للحكومة الانتقالية؟ وما موقف القوى السياسية والمجلس العسكري الشريك الأكبر والضلع الأساسي في الحكومة الانتقالية حيال هذا الأمر؟ وهل ستقتصر الانتقالية على فترة السنتين فقط وهي فترة تولي العسكر لأمر الرئاسة أم أن للمدنيين رأي آخر فيما يخص بقية الفترة الانتقالية، وبالتالي إمكانية إجهاض هذا السيناريو في مهده قبل أن يتشكل ويصبح واقعاً؟..
رغبة خارجية
المطالبة بقيام انتخابات مبكرة ليست رغبة داخلية فحسب وإنما مطالبة خارجية لعدد من الدول التي يهمها استقرار الوضع في السودان بعد الإطاحة بالإنقاذ، وهاهو وزير الخارجية البريطاني يدعو لانتخابات مبكرة في السودان بعد فشل الفترة الانتقالية وفشل الحكومة في إدارة السودان واقتراب الانهيار الشامل للاقتصاد، فيما طالب الاتحاد الأوروبي بإجراء انتخابات مبكرة حتى التعامل مع السودان.. ولعل الخطر الحقيقي الّذي يعاني منه السّودان ويهدّد اِنتقاله إلى نظام ديمقراطي سلمي، لا يتمثّل فقط في الثّورة المضادّة ولا في المكوّن العسكري شريك القوى السّياسية المدنية الّتي تمثّل الثّورة الشّعبية، لكنّه يأتي من الحكومة الاِنتقالية نفسها التي تتألّف من أحزاب تختلف فكرياً وأيديولوجياً مما جعل كلّ مكوّن سياسي يتبنّى وجهة نظر مختلفة عن الآخر. فهناك من يتحدّث عن ضعف الأداء الحكومي والدّعوة لإجراء تعديل وزاري يشمل غالبيّة الوزارات السّيادية مثل المالية والخارجية والتّجارة والصّناعة، وهناك من يدعو لقيام اِنتخابات مبكّرة لفشل الحكومة في تسيير دولاب الدّولة وحلّ المشكلات الرّئيسة.
فرصة تاريخية:
وقال نائب رئيس “الحركة الشعبية” قطاع الشمال ياسر عرمان، إن قضية الانتخابات المبكرة واحدة من الحيل التي استخدمت في أكثر من فرصة تاريخية وفترة انتقالية، مضيفاً “ربما هذه الفرصة الأخيرة للسودان، إما نصنع بلداً جديداً يشبه ما قدمه شعبنا من تضحيات، ويشبه نضالات الحركة الوطنية السودانية المجيدة، والتي تعد واحدة من أفضل الحركات السياسية في منطقتنا، أو تضيع هذه الفرصة مرة أخرى، بأن نتهرب من حل القضايا الكبرى ونتهرب من صنع مشروع وطني جديد باللجوء إلى انتخابات مبسترة، وناقصة من النواحي كافة، ونهرب من استحقاقات بناء وطن جديد إلى حيلة قديمة لن تأتي إلا بالنظام القديم وتوجهات قديمة”. وأكد عرمان أنهم ضد أي دعوة لانتخابات مبكرة، وأنهم في “الحركة الشعبية” قطاع شمال مع حل قضايا السودان، بما في ذلك عقد المؤتمر الدستوري لكي نصل إلى كيفية حكم السودان قبل البحث في من يحكم السودان.
ثلاثة خيارات:
وتعد الانتخابات المبكرة أحد الخيارات الثلاثة التي دفع بها رئيس حزب الأمة القومي الراحل الصادق المهدي، وهي إما الفوضى أو الانقلاب العسكري أو القفز إلى انتخابات مبكرة. غير أن الحزب الشيوعي وصف تلك الدعوة “انتحابات مبكرة” بأنها انقلاب على الفترة الانتقالية، وإجهاض الثورة، وقطع بأن قوى الحرية والتغيير والثوار لن يسمحوا بذلك، وحذر من يدعون لإجراء انتخابات مبكرة من مغبة الالتفاف عليها. وقال القيادي بالحزب الشيوعي كمال كرار “قبل انسلاخهم من الحرية والتغيير” إن الانتخابات المبكرة ليست جديدة وإنما يراد بها الانقلاب على الاتفاقيات. ونوه إلى أن الفترة الانتقالية في ميثاق إعلان الحرية والتغيير مدتها 4 سنوات مجدداً تمسكهم باستمرار الفترة الانتقالية التي تم التوافق عليها لتهيئة البلاد للانتخابات من خلال وضع قوانين تساعد في الوصول إلى الديمقراطية المنشودة، مشيراً إلى أنهم لا يستعجلون قيام الانتخابات بقانون الانتخابات القديم لإعادة إنتاج الأنظمة الفاشلة، وزاد: من يريد الالتفاف عليها سيجد “الحبل ملفوفاً على رقبته”.
شروط دستورية:
ويلفت المحلل السياسي حسين عمر بحسب اندبندنت عربية إلى أن الانتخابات استحقاق سياسي يحتاج إلى شروط دستورية وقانونية وسياسية واقتصادية ومفوضية مستقلة وإحصاء سكاني، بالإضافة إلى السلام والأمن والاستقرار وتهيئة المناخ والحريات وتطبيق المعايير الدولية والحقوق الأساسية، التي أرست في القانون الدولي لحقوق الإنسان وغيرها، لأنها وسيلة للاستقرار السياسي تحتاج إلى تحضيرات جيدة لإنتاج وضع يساهم في الاستقرار السياسي، ونتائجه تكون مرضية لأطراف العملية السياسية وليس تعقيد الأمور والرجوع إلى الخلف والدخول في دوامة عدم الاستقرار السياسي، مشيراً إلى أنه في ظل الظروف الحالية يُعد الحديث عن انتخابات مبكرة كلاماً غير واقعي، بل أكثر من ذلك، ستكون انتخابات مشوّهة وغير مطابقة للمعايير الدولية ولن تتسم بالشفافية والنزاهة لأسباب كثيرة، أبرزها عدم التوافق السياسي وتهيئة المناخ، وخروج البلاد من نظام شمولي حكم البلاد حوالى ثلاثة عقود شوّه النظام السياسي، إلى جانب المشاكل الاقتصادية والحروب والنزاعات المسلحة، ووجود العديد من النازحين واللاجئين في غير أماكنهم الأصلية والذين يحق لهم المشاركة في العملية السياسية، فضلاً عن مخاطر انتشار السلاح ووجود ميليشيات وحركات مسلحة، مطالباً جميع الأطراف السياسية بالبحث عن القواسم المشتركة لرسم مستقبل البلاد من خلال العودة إلى الحوار.
مناورة سياسية:
وتابع نفس المصدر بالقول “الحديث عن انتخابات مبكرة في ظل هذه الفترة الانتقالية ليس ممكناً، ومن الأجدى الوصول لاتفاق حول مختلف القضايا التي تعتبر محل خلاف، فهو الأسهل ويمهد الطريق السليم للانتقال السياسي الديمقراطي”، وقال “إذا لم تتفق الأطراف كافة على إدارة المرحلة الانتقالية كيف سيتفقون على إدارة الانتخابات بعمليتها ومراحلها المختلفة؟ فالانتخابات يجب أن تقوم في جو سياسي معافى، وفي ظل ظروف السودان الحالية قد تحتاج إلى سنتين أو ثلاث سنوات في أحسن الأحوال لأن الظروف الحالية معقدة وغير مهيأة”. وأضاف “الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة بعد حكم السودان بنظام شمولي، فضلاً عن ما يحيط بالبلاد من أزمات في كل جوانبها ليس أمراً سهلاً، ذلك يحتاج إلى مراحل مختلفة ومتفق عليها مع جميع القوى السياسية السودانية”، لذلك فإن تنظيم أي انتخابات لتحقيق الاستقرار السياسي يحتاج إلى توافق سياسي وتحقيق السلام والاستقرار والأمن، وتحسين الأوضاع الاقتصادية ووضع دستور لتنظيم العلاقة بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وإعادة تشكيل أو هيكلة النظام السياسي في البلاد، مؤكداً ألا سبيل غير الرجوع إلى طاولة الحوار بقلب مفتوح، بينما اعتبر “الدعوة إلى انتخابات عامة تبدو مجرد مناورة سياسية”.