الغناء السوداني.. أفريقيا تفتح أحضانها بالترحاب الكبير!!
كان يمكن أن نكون الأفضل ولكننا اخترنا الأسوأ:
الراحل وردي: على الفنان السوداني أن يتخلص من الكسل ويسعى للإعلام!!
كتب: سراج الدين مصطفى
(1)
” كان يمكن للسودانيين أن يكونوا أفضل الأفارقة غير أنهم اختاروا أن يكونوا أسوأ العرب “.. ظلت هذه الجملة هي عصب قضية الهوية السودانية وفي كل المجالات.. وهذا بالضرورة ينسحب على مجمل القضايا الثقافية والفنية.. وتعتبر الهوية أساس قضايا الصراع بالبلاد منذ نصف قرن. تتفرع المسائل الجوهرية الأخرى منها الفقر؛ والحرب وخلفياتهما من التفرقة والقهر والاضطهاد. ومفرزاتهما من الحرمان والتعاسة.. لأن الهوية الثقافية هي جماع العناصر الأساسية في الشخصية الجمعية لمجموعة إنسانية: اللغة والتراث؛ والفلكلور الشعبي بما في ذلك الدين؛ يتضمن تطور تلك العناصر تاريخياً وتأثرها بالجغرافية.
(2)
في زمن ليس ببعيد قال مغنٍ عربي عن الغناء السوداني “إنه إزعاج منظم” المنتوج الثقافي السوداني؛ من شعر؛ ورواية ومسرح وغناء وموسيقى غير معروف في البلدان العربية وغير مهضوم؛ ولا يوجد أحد من العرب يقبله إلا مجاملة. فيما لا يرون من أهمية في معرفة التاريخ والجغرافية واللغات والتقاليد السودانية على الإطلاق. فيما يعتبر الغناء السوداني واسع الانتشار في محيطه الأفريقي ودول جوار السودان الغربي والهضبة الحبشية ودول البحيرات. والسودان الرسمي على هامش العروبة مشغول بالأعمال العربية ويبني سوراً ثقافياً منيعاً بينه ومحيطه الأفريقي.
(3)
الموسيقار الراحل محمد وردي له رأي واضح في قضية الهوية الفنية.. فهو في حوار قديم قال (موسيقانا أفريقية, وخصوصية السودان في الموسيقى أيضاً أفريقية, والتأثير العربي كان فقط في الدين واللغة). والفنان السوداني كان له دور كبير في نشر اللغة العربية في أفريقيا كلها, وهذا الدور ليس سهلاً. ويجب على العالم العربي أن يعي ذلك ويهتم بالفنان السوداني.. وأضاف الراحل وردي وحلل عدم انتشار الفن السوداني في مصر والوطن العربي تقصير عربي أم تقصير من الفنان السوداني؟ قال هو تقصير من الإعلام السوداني أولاً, ثم تقصير من الفنانيين السودانيين فالعرب يستمعوا لكل الموسيقات العالمية ويمكنهم أن يسمعوا السودانية.
(4)
الدكتور الفاتح حسين له رأي واضح وصريح ويؤكد تماماً أن السودان الشمالي أكثر ميولاً للوجدان العربي بعكس شعب جنوب السودان.. حيث قال (جنوب السودان حافظ على عرقه وأصله الأفريقي الذي يتميز بالغناء الجماعي والذي عادة ما يكون مصحوباً بطقوس ورقصات معينة وضربات الطبول، ومن أكثر أنواع الغناء انتشاراً عند قبيلة الدينكا باعتبارها أكبر قبيلة في السودان، هي أغاني أقر وأغاني اللور وأغاني أودور. كما نجد أن قبيلة الزاندي والتي تنتشر على الحدود السودانية ما بين يوغندا وكينيا والكنغو من أكثر القبائل الجنوبية حباً للموسيقى وتنتشر فيها الآلات الشعبية مثل آلة- البالمبو والكربي والكوندي (3)- وتتعدد فيها الأنماط الغنائية، كما نجد أن الموسيقى ارتبطت بالحياة الاجتماعية والطقوس.
(5)
الأستاذ والمؤرخ الكبير شوقي بدوي حكى هذه الحادثة (عبدالحليم حافظ الذي مات بالبلهارسيا، عندما حضر للسودان في نفس الأيام مع فرقة أضواء المدينة بعد مؤتمر الخرطوم الذي مد في عمر جمال عبد الناصر،(شخط) في وجه المعجبين في الخرطوم الذين تجمعوا أمام القراند هوتيل وهم يصرخون (نار يا حبيبي نار) وكلهم من بقايا المصريين أو شباب الخرطوم الذين تأثروا بفلم الوسادة الخالية رواية إحسان عبدالقدوس ابن فاطمة اليوسف صاحبة مجلة روز اليوسف، لقد صرخ فيهم (روحوا في ستين ألف داهية وسيبوني في حالي).
(6)
الناس يوردون كل الأسباب لعدم انتشار الموسيقى السودانية في العالم العربي ويتفادون ذكر الحقيقة، السبب سيداتي سادتي أن الإنسان لا يستمع لموسيقى شخص يحتقره، فلهذا نحن الشماليين لا نستمع إلى موسيقى الجنوبيين ولا نعرف فنانينهم، ولا نعرف أي شئ عن الغناء أو الفنانين التشاديين، والعرب يحتقروننا، ونحن نلهث جرياً وراء حبهم.