كانت مَاري مِيشيل لويس وزكريا إسماعيل موسى؛ كائنين غريبين وبقدر ما هما شديدو الاختلاف أزمنةً وجُغرافيا وفي النّظرة لبعض جوانب الحياة؛ إلا أنهما كانا شديدي التّجانس كيميائياً ويتنقلان في أحاديثهما كفراشات البراري المُتحرّرة من كل قيدٍ.
مُنذ لقائهما الأول؛ ومنذ البداية اشتبكا في حوارٍ عميق واشتبكت روحيهما في حوار أعمق لم ينقطع وخلّف آثاره عند كل أمسية ونهار من لقاء.
كان زكريا على موعد لإجراء حوار إذاعي لبضع دقائق، حدّثته عبر هاتفها الجوال على نحوٍ مهني خالص في أول زيارة له لباريس في تسعينيات القرن الماضي، أحكما المواعيد وهو في طريقه لمقابلته الإذاعية لم يفكر كثيراً؛ فهي واحدة من مئات الّلقاءات التي أجراها من قبل، والقضايا صافية في ذهنه ولا تحتاج إلى تحضير والفارق الوحيد كان؛ أن دلف إلى المبنى الفخم للإذاعة والتلفزيون في قلب باريس للمرة الأولى؛ واستقبلته عند صالة الاستقبال، وكان من عاداته أن يتأخر قليلاً، ولكن هذه المرة وصل في مواعيده كقطار سويسري.
تبادلا التّحية، كانت مختلفة وتشّع من عينيها طاقة الحياة، مدت يدها قائلة: ماري ميشيل؛ ورد: زكريا موسى.
التقت أعيُنهما للحظة قصيرة، عبرا نحو الأستوديو بعد أن توقف المصعد وهي تحاوره بمهنية عالية، تأملها للحظة وانتهى الحوار الإذاعي في بضع دقائق، ثم دعته لتناول القهوة في مكتبها، إذ كان لديه بعض الوقت ورحب عن طيب خاطر وقد أثارت فضوله وهي تحاوره بظل خفيف؛ وحينما اصطحبته إلى مكتبها الذي كان يضجّ بطاولات متعددة وآخرين يتسابقون في نقل قصاصات الأخبار من طاولة لأخرى ويتهامسون وهم يعالجون الأخبار العاجلة، جلست إلى طاولة مكتبها بعد أن وضعت كرسياً إضافيًا أمامها ودعته للجلوس، ابتدرت الحديث عن آثار الحروب في إفريقيا وتنقلا بين عدة قضايا وكانت عيونهما تشع بإشعاعات مضيئة تشيء بأن هنالك أشعة فوق بنفسجية من المحبة قد أخذت تتسرب إليهما.
قدّمت له فنجاناً من القهوة ارتشفه على مهلٍ؛ وهما يتحدّثان بشيء من المناجاة التي بالكاد تأخذ طريقها وهو ينظر إليها نظرات متقطعة كانت كافية لبداية حوار لن ينتهي إلى أن تغيبه الحياة.
كان بعض زملائها ينبهونها لموعد نشرة الأخبار القادمة وبأن هنالك حواراً مع أحدهم سيأخذ طريقه إليها في أثناء قراءتها لنشرة الأخبار، حينما انتهى من قهوته قررت اصطحابه إلى صالة الاستقبال حيث التقته للمرة الأولى، واستقلا المصعد الذي أخذ ينهب طوابق البناية وهو في طريقه إلى الأسفل من غير انتظار وبدا أن كليهما كان راغباً في مواصلة حوار يأخُذُ وقتاً طويلاً كصلاة جنازة لأحد النبلاء الكبار، والقساوسة يتحدثون عن محاسنه العظيمة؛ وبعض المساوئ التي حولوها بقدرة قادر إلى محاسن، وجوقة التراتيل تقطع أحاديث القساوسة مواصلةً إنشادها، كان القساوسة لا يتوانون عن الحديث عنه كإنسان طاهر بلا خطيئة لاسيما حينما يتذكرون عطايا النبيل التي لا تملأ جيوبهم، والولائم التي يسيل لها اللعاب وبقدر ما يفكرون في عطاياه يتمنون أن يجزل ابنه الجالس في الصفوف الأولى عطاياه ويجزلون الحديث عن الميت وهم يحفظون بعضه عن ظهر قلب مع إضافات جديدة لائقة بالمناسبة، وقطع حوارهما وحبل تفكيرهما إشارة من المصعد أنه قد وصل باب الاستقبال ودّعته ومضى إلى حال سبيله وإلى مواعيده الأخرى وقد وجد التاكسي الذي بعثت به محطة الأخبار ليقله في انتظاره.
وُلدَ زكريا موسى في مدينةٍ ساحليّة، نما وترعرع بها حتى بلغ الرابعة عشرة من عمره، لا زالت ذاكرته حية ونديّة تحملُ في طيّاتها طفولتهِ السعيدة، وحياته هناك حتى شارف سنوات النُضج، يتذكّر النوارس التي تُجمِّلُ الساحل بحضورها، ولكنها تغيب، وصديقُ النوارس يحملُ بعض الأسى حينما ترتحل إلى حيثما جاءت من شواطئ أخرى بعيدة، ويتذكر عُمّال الشحن والتفريغ والحمّالين البائسين الفقراء عند أبواب الميناء وقد أخذت الآلات تحلُّ مكانهم وتزيدُ من عذاباتهم وتقذفُ بهم إلى الشوارع، وهم بملابسهم المتسخة الرثّة وكأنهم من مدينةٍ قد ضربتها حرب، ومع ذلك فإن كبرياءهم الذي يتجاوز شموخ الجبال المحيطة بالمدينة يظلُّ ملازماً لهم، وهم يستقبلون البواخر بالفرح وهي تقتات من سواعدهم مقابل لُقيمات وقهوةٍ مُرّة وشرابٌ رديء ينتهي بقتالٍ وخلافاتٍ تنشبُ بينهم من حينٍ لآخر. لقد كانت البواخر والقطارات تنقل خيرات وموارد البلاد جيئةً وذهاباً، ومع ذلك فإن أطفال المدينة وشيوخها يتسولون عند أبواب السفن ومحطات القطار.
يتذكر الهنود واليونانيين والأرمن وأحيائهم المميزة ومنازلهم المختلفة، مثل ثقافاتهم وهم يختلطون مع سكان المدينة في التجارة طوال النهار، ويعتزلونهم في الحياةِ الاجتماعية عند المساء على أضيق نطاق، لهم أنديتهم الخاصة وأماكن سمرهم ولهوهم، لم يجد حينها زكريا تفسيراً لذلك، فقد عاش في حيٍّ متوسط في المسافة الفاصلة بين فقراء وأغنياء المدينة، وتذكر صرامة والدِه الذي يدفعه دفعاً نحو التعليم والتحصيل وحُزنِهِ على أصدقائهِ وهو يستقلّ القطار مع والده ووالدتهِ وأخوتِهِ ويغادروا المدينةَ إلى الأبد، لقد أحبّ المدينة وأحبّ البحر وملابس فقرائها وسكانها الأصليين ولغاتهم المحليّة التي تعلّم بعضها، هو الذي قرأ كثيراً عن تاريخهم بعد ذلك وأن لغتهم أقدم من اللغة الفرنسية والإنجليزية، وأنهم قد ركبوا البحر قبل الأوروبيين إلى بلاد بونت، وتبادلوا التوابل والحرير والمِسكْ وعيدان الصندل وريشِ النعام وسنّ الفيل، وتذكّر كيف شعر بالضياع حينما انتقل إلى العاصمة مع والده وأخذ في التعرُّف على جدرانها وحيطانها التي بدت له أكثر تعقيداً ومضيعة للوقت، وابتسم وهو يرى نفسه في قلبِ باريس متذكراً عاصمة بلاده، والحنين الذي يأخذ بتلابيبه من حينٍ لآخر، وقد داومَ على الأسفار والترحال.
وهو غارقٌ في تفكيرهِ، مرّ بالقرب من مرآةٍ كبيرة في إحدى الفترينات التي تبيعُ ساعاتٍ غالية الثمن ونظر إلى هندامه، وقد كان على عادتهِ أنيقاً، وكان اختيارهِ لبدلته وربطة العُنق بعناية، رغم ثمنهما الزهيد، ولكن أناقتهما لا تَخفى.
كان طقس باريس متقلباً وبارداً وقارساً يتسرب إلى داخل ملابسه الشتوية متزامناً مع تسرب دفء اللقاء والحوار والقهوة عند طاولة ماري ميشيل لويس وهو يتأمل بطاقتها الأنيقة في يده.
بعد بضع دقائق استغرقتها نشرة الأخبار؛ رنّ هاتفه وكان صوتها على الطرف الآخر وهي تبتدر حواراً جديداً مبدية الشكر على مجيئه وسعادتها بالحوار، أكد امتنانه وأدرك بحدسه أن ذلك بداية لحوار جديد، وكان الوقت نهاية أسبوع واقترح عليها أن يلتقيا إذا ما سمح وقتها بذلك وأجابت بأريحية بأنها على استعداد للقاء في المساء أو نهاية الأسبوع القادم، قال لها إنه غير متأكد من وجوده في باريس نهاية الأسبوع القادم، إذ ربما سيذهب إلى مكان آخر، اتفقا على اللقاء ذاك المساء.
أخذ يستعيد حواره معها عند طاولة مكتبها ويحل بعض شفراته وإعادة ترتيبها من جديد، ويُمنّي النفس بأن الشفرة غير المعلنة التي توصل إليها من ثنايا حوارهما المباشر والصامت معاً والذي أكملته نظراتهما المتقطعة تمنى أن يكون ما توصل إليه هو الحقيقة وقارن ما بين لغتها المهنية حينما هاتفته للمرة الأولى لإجراء الحوار ودفء صوتها في المحادثة التي أعقبت الحوار؛ وإن لم تهاتفه كان سيفعل وفكر بعمق في تفاصيل اللقاء القادم وهو موقن بأن ضحايا الحرب في أفريقيا سوف يزداد عددهم بآخر، وسره ذلك.
كان سعيداً بأنه تصرف كإنسان ناضج ودعاها لتناول شيء من الشراب، وابتسم حينما تذكر سؤالها له عن مكان اللقاء وهو الذي يحفظ مكاناً واحداً في باريس في بداية معرفته بالمدينة وأجابها على الفور محطة (الكونكورد) بالمترو عند المسلة المصرية التي تقف عند باحتها الواسعة.
أخذ يُفكِّر في المسلة المصرية التي جاءت أو جيء بها إلى باريس وتم نهبها أو سرقتها أو أهداؤها من الخديوي محمد علي باشا عربون صداقة مع فرنسا في رواية؛ والذي أهدى مسلة أخرى من الكرنك لبريطانيا أكثر جمالًا وكان من المفترض أن تؤخذ إلى لندن كهدية، ولكن أنقذها عدم توفر الوسائل اللازمة لنقلها لضخامة حجمها لحسن الحظ أو سوئه هذا يعتمد على المكانة التي تقف فيها من هذه القضية، وفي النظرة إلى موضوع المسلة المصرية أو الفرنسية منذ أكثر من 187عاماً والتي اتت بإصرار وجهد من العالم الفرنسي شامبليون والذي يحمل أحد شوارع القاهرة اسمه أيضاً!! كان شامبليون لا يريد لها أن تكون في ميدان الكونكورد وعند مرضه أصر الامبراطور على وضعها في هذا الميدان فشكراً للإمبراطور وإلا ما كان بإمكان زكريا أن يحدد مكان اللقاء، وربما رجع الفضل أيضًا إلى الكورسيكي الذي فتح شهية العلماء للعلم والنهب معًا .
كان الطقس بارداً ومشوباً برياح وأمطار ولم يخفِ ذلك جمال وسط باريس التي تبدو كمتحف أكثر منها بمدينة وحينما تعرف لاحقًا بباريس وجد أن هنالك باريس أخرى لا ينقلها الإعلام ودعاية وكالات السياحة ومعظم الأفلام السينمائية وهي قطعة من بعض مدن أفريقيا وبلدان المتوسط العربية تعج بالفقراء والمهمشين وأرصفة المدن الأفريقية التقليدية وفي الماضي ذهب الفرنسيون إلى أفريقيا وبلدان المستعمرات باحثين عن الموارد والثروات والآن تم رد الزيارة بأطيب منها! وأصبح وجه باريس من أوجه ودماء متفرقة ولغات وثقافات ويشمل التنوع حتى بائعات الهوى!
وأدار زكريا حواراً مع نفسِهِ بعد سنوات وهو يتذكر -بمتعة مختلطة بالألم- ماري ميشيل لويس وباريس؛ وتوصّلّ إلى أن العولمة تركت بصماتها في كل المدن الكبرى، وباريس ليست استثناء، فهي تحمل في أحشائها ملايين الشباب الغاضبين بلا حدود والقادمين من عوالم مختلفة وعدة ثقافات وأضحوا على هامش المدينة وجزء من أغانيها الحزينة وهم يكافحون لإيجاد رافعة إلى قلب باريس، ويصدهم خطاب لوبان وابنته المحشو بالعنصرية وفوبيا وفزاعة المهاجرين، إن المدينة التي تبدو كمتحف تضمر في أحشائها الأخرى البلدان التي ذهب إليها الفرنسيون بحثًا عن الموارد، وقضايا التنوع والاعتراف بالآخر وإيجاد صيغة جديدة، فأصبحت قضايا التنوع محض فرنسية وعالمية معاً، ألم يكُن الفريق القومي الفرنسي لكرة القدم يشبه فريقاً لأحد الدول الافريقية، أكثر من كونِهِ فرنسياً؟! إن قضايا التنوع قابلة للانفجار في أوروبا مثل أفريقيا مع اختلاف إشكالية العلاقة وقد انقلبت تلك العلاقة إلى مشنقة أو قنبلة موقوتة. إن العلاقة الكولونيالية تتأبط شراً بالكولونيالين أنفسهم وأن الاستعمار يؤتي أكله المر ويحتاج إلى معالجة إنسانية بلا حدود مثلما أنتجت فرنسا أطباء بلا حدود.
بقدر ما كان ذهنه يحسب الساعات المتبقية للقاء ماري لويس ببطء؛ بسرعة أكثر كان قلبه، كانت ساعة يده وهو ينظر إليها تبدو كساعة معطلة، توقّفَتْ عن قراءة الوقت والمدهش أن الشيء الوحيد الذي يتحرك بسرعة كان قلبه وتمنى أن تدور ساعة يده كقلبه .
جاء إلى المسلة قبل الموعد بنصف الساعة؛ لم يزعجه البرد القارس ولم يشعر به كما في سابقات الأيام فلقد كان لديه وقود نووي من دفء المواعيد، وحينما اقترب الميعاد بدقائق لا تعد على أصابع اليد الواحدة بدأت الأمطار تتساقط برفق وتؤدة لم يكترث كان كل من حوله يحمل مظلة للمطر إلا هو، فموعده فقط الذي يقيه من المطر! اخذ ينظر في جميع الاتجاهات وعند موعدها بالضبط رآها كما لم يرها في لقاء منتصف النهار كانت تفرد مظلة قرمزية اللون فوق رأسها وتعتمر طاقية حمراء مع وردة سوداء لم تكن ترتدي ملابس ساعات العمل الرسمية سوى الحذاء عالي الكعب الذي حمل لوناً مختلفًا وبدلاً من البنطال ارتدت فستاناً بنفسجياً يغطي جسمها من غير احتشام دون أكمام، حينما اقترب منها كأن عطر باريس وزينتها كلها قد جاءت؛ وطبعت قبلة رشيقة على خده كبرق خاطف وسارا قليلاً وعرضت عليه أن يشاركها مظلتها .
ذكرت له أنها تعرف هذا المكان جيداً وحاناته ومطاعمه المنتشرة في زواياه، وطلب منها أن تختار وجهتهما وأنه تحت طوع بنانها، وسارا متلاصقين بأمر من المظلة والمطر، وباريس مدينة تحترم عاشقيها وبدأت رحلتهما ولغة جديدة، وابتعدا عن المسلة المصرية التي ولدت في بلاد الشمس المشرقة والحارقة في الأقصر أقصى الجنوب؛ والجنوبي يستمد حرارته من حرارة المكان، والمسلةُ التي أُخذت عُنوةً في رواية ما حينما ربط الكورسيكي حملته بالعلماء الذين أحبوا مصر وعلوم المصريات وحضارات وادي النيل القديمة التي أشعلت خيالهم؛ رغم أنهم في زمان ما وفي أعرق مؤسساتهم الأكاديمية رفضوا ولحوالي عشر سنوات أن يمنحوا العالم والمفكر الشيخ أنتا ديوب رسالة الدكتوراة، فقد كانوا يعتقدون أن أوروبا هي مركز الكون والعلم. والمسلةُ الآن أصبحت عنواناً لباريس ولا بد أنها قد عانت مثلنا من البرد والثلوج والأمطار المنهمرة واشتاقت للنيل وتمنت أن تعود إليه وتذكرت الفلاحين الذين قاموا ببنائها وقد قضت الكوليرا على معظمهم وربما خفف من وحشة المسلة الموضات والعطور الباريسية التي تحف بها من كل أرجاء المكان.
كان فستان البنفسج الذي ترتديه يلتف حول جسدها ويغطيه بالكاد، كأن العناية قد رسمته كلوحة باهظة التكاليف من عصر الموناليزا وليوناردو دا فنشي، فقد كانت تشبه أجمل اللوحات في متحف اللوفر .
كانت دائرة الفستان حول خصرها كحدوة حصان أخذ مقاييسها بدقة، والسماء تحتفي بلقائهما وقد ازدادت الأمطار وضوء ماري ميشيل وجمالها امتداد مأخوذ من مدينة النور.
استقر المقام بهما عند حانة ومطعم (القلب النابض) مكانها المفضل في تلك الناحية من باريس، وسرعان ما اشتعلا في نقاش طويل حول أصل المسلة، ومن الذي بنى الأهرامات، الملوك أم الفلاحون؟ ومن الجدير بأن يُسجَّل تاريخه؛ آلاف الفلاحين والعمال والمهندسين والفنانين منهكي الأجساد الذين بنوا الاهرامات، أم الملوك؟ وهل المسلة هدية أم نهبٌ وسرقة؟ ذكّرها أن هذا النقاش حول المسلّة لم يبدأ اليوم، بل إن رفاعة رافع الطهطاوي هو من ابتدرَهُ حينما أتى إلى باريس في عام 1826م مع البعثة المصرية التي ابتعثها محمد علي باشا لتقود النهضة العلمية المصرية لاحقاً، وقد لخّص ملاحظاته حول باريس في كتابه الشهير “تخليص الإبريز في تلخيص باريز (باريس)” والحوار لم ينتهِ وها نحن نواصلُهُ معاً مرةً أخرى وفي باريس.
واصلا الحوار هل الإتيان بالمسلة إلى باريس هو عنوان للتواصل الإنساني للحضارات؟ وإذا كانت الفلسفات والعلوم الإنسانية تقبل التبادل دونما احتجاج ويستفيد الجميع من منتجاتها في الهندسة والطب والزراعة لماذا لا يتم تبادل آثار الحضارات القديمة حتى تعم كل البشر؟ هل هذا نهب وتدمير لهوية شعب أم توسيع وانتشار لتلك الهوية؟ هل كسبت مصر ووادي النيل وهي تطل من قلب باريس أم خسرت؟ لماذا نحد من الفضاء البشري ونربطه بمحدودية الجغرافيا ومحدودية الدولة الوطنية؟ وهل الدولة الوطنية هي بداية أم نهاية الفضاء الإنساني، وتوقفا عند رحلة الجنرال الكورسيكي لمصر.