كنت في شندي..
صغيراً… يافعاً… عفريتاً؛ ألعب في (رمال حلتنا) مع جاري – ومحدثي – مبارك..
ونصنع مفرقعات ببارود الكبريت… وماكينات الحلاقة..
ونذهب إلى جوار السينما – ضحى كل يوم – لنبتاع التسالي… والدوم… والفول السوداني..
أي سينما؟… لست أدري..
كما لا أدري أية رمال تلك… وأي حي ذاك..
فأنا لم أكن في شندي مطلقاً… ولا أذكر أن لديّ صديق طفولة – وجاراً – اسمه مبارك..
ولكن بما أنه يتذكّر – منتشياً – فليكن له ما أراد..
رمال… حلة… سينما… بارود… تسالي… مفرقعات… (كله ماشي)؛ فماذا يضيرني أنا؟..
سيما وأن اجتراره للذكريات هذه كان محضوراً..
فخشيت أن أحرجه… وأجرح مشاعره… وأبطل مفعول فرحه… وأقدح في سلامة ذاكرته..
فربما تشابهت عليه الأسماء… والأشكال… والعفاريت..
كما تشابه على آخر – في زمان آخر – بقر منسوبي جهاز أمن (مايو)… واسمه كامل..
فإذا بي (أمنجي) صغير… فور تخرجي في الجامعة..
وبما أن (مايو) كانت في أواخر أيامها فإن جل اهتمام الأمن كان مصوباً نحو حزب البعث..
واهتمامي أنا تحديداً؛ فقد كنت (بصاصاً) مزروعاً وسط البعثيين..
وكان أدائي ممتازاً جداً؛ فمُنحت سيارة (سيهان بيرد) جديدة… (أقدل) بها كما أشاء..
وأكثر (قدلاتي) كانت في شارع الجمهورية… مساءً..
وأكثر (قعداتي) في محل (أتينيه)… حيث كنت مغرماً بشطائر الكستليتة التي اشتهر بها..
وللغرابة الشديدة فقد كنت مغرماً بها فعلاً..
ولكن في العالم الواقعي؛ لا الافتراضي الذي (فرضه) على زميل المهنة – الأمنية – كامل..
ثم حين اندلعت الانتفاضة كنت أجوب الشوارع بمسدس (كاتم صوت)..
ولعل زميلي هذا نفسه – أو بصاصاً غيره – هو من أطلق رصاصة عوت فوق رأسي..
وكنت حينها أما البوابة الرئيسية – الشمالية – للسكة الحديد..
وتظاهرت بأنني (أتظاهر) مع المتظاهرين… بل وأهتف معهم ضد نميري من وراء قلبي..
وكما فعلت مع مبارك – قبلاً – جاريت محدثي في ذكرياته..
وكان منتشياً مثله؛ وغادرني وهو يهمهم في قمة الانتشاء (يا سلام… كانت لنا أيام)..
فأرسلت خلفه تتمةً أدركته (ولها إيقاع كمان)..
بقي أن أقول إنّ أمن (مايو) هذا هو الذي حال بيني وبين التوظيف عبر لجنة الاختيار..
والتهمة إنني (كادر طلابي بعثي)..
ومحدثٌ ثالث كان قد جعلني من زائري بارا في زمنٍ من أزمنة (مطر الرشاش الرش)..
و(مشورني) معه بين أزقتها… وحواريها… وميادينها..
ولم يبق له إلا أن يقول إننا صادفنا – أثناء تجوالنا ذاك – (ملكة جمال بارا)..
وبعد؛ هذه نماذج من (إيجادي) في عوالم عدة..
وهي جميعها نماذج ظريفة؛ تسعد (موجديها)… ولا تؤذي سامعيها… ولا مسامعي..
ولكن الخوف أن أُفاجأ – مستقبلاً – بأنني كنت وزيراً (حمدوكياً)..
بمعنى إنني كنت زميلاً لمدني… وخيري… والبوشي… ولينا؛ ومجايلاً لعائشة نثريات..
عندها سأصرخ بملء (سمعتي) :
مـــو أنــــا !!.