خبير الطيور عوض محمد صديق يروي تفاصيل أطوَل رحلة عبر القارات
"طيور اللقالق بسلفيانيا.. ما بتعرف ليها مرسى ولا في إيدها جواز سفر"
القائد (تشارلي) يلقى مصرعه برصاص راعي إبل في كردفان
أجراه: علي الصادق البصير
في العام 2015م أعد مختبر كورنيل بسلفيانيا والمختص في أبحاث وعلم الطيور مشروع دراسة علمية لثلاثة طيور لقالق بيضاء لمتابعة مساراتها ومعرفة قوة تحملها ومدى محافظتها على السير في طريق أسلافها عبر البحار والمحيطات والقارات، وأطلقت على تلك الطيور البيضاء العنان لتنطلق في أطول هجرة عبر القارات، وتتابعها عبر أجهزة الـ”جي بي إس” للمراقبة.. وللأسف انتهت حياة قائد الرحلة الطائر المسمى بـ(تشارلي) برصاص راعي إبل في منطقة كردفان وانتهت إشارة الجهاز في منزل بالحارة (95) بالثورات، وهي قصة وثقها لـ(الصيحة) المصور والباحث في علم الطيور عوض محمد صديق والذي شكل حلقة الوصل ما بين معمل كورنيل لعلم الطيور واللحظات الأخيرة لتشارلي.
*حدثنا عن علاقتك بالطيور؟
علاقتي بالطيور علاقة نشأت معي منذ الطفولة، وكنت بشرك للبلوم والدباس والصيد والاستمتاع بالصيد مثلنا مثل أي طفل وشاب أحب هذه المتعة والهواية، هذه الهواية ساهمت في ترقية تذوقي لجماليات الطيور ورأيت منها الكثير والمثير، وهذا قاد إلى إقتنائها والحفاظ عليها ورعايتها ومتابعتها بصورة علمية من خلال الاطلاع والتعرف على سلالاتها وصورها وتحركاتها ومدى محافظتها على التوازن البيئي، توسع هذا الأمر عندي بعد احترافي مهنة التصوير، وصارت الطيور جزءاً من عدسات كاميراتي رغم أنها ــ أي الكاميرات ــ كانت في مهام متعددة، إلا أن الطيور صارت جزءاً من اهتماماتي البالغة.
*ألى أي مدى وصل هذا الاهتمام؟
لدرجة تواصلي مع منظمات وجهات محلية دولية متخصصة في علم الطيور، وقد اكتسبت في هذا المجال خبرات ومعارف ودروات متخصصة مكنتني من التعرف على الكثير مما كنت أجهله.
*مثل ماذا؟
للطيور وهجراتها مثلاً أبعاد معرفية وعلمية تقوم بها جهات بحثية عالمية، تتابع تلك الجهات رحلات الطيور بتقانات حديثة، وتستعين بمهتمين بهذا المجال ومحترفين على مستوى العالم لمتابعة هذه الرحلات والتعامل مع أي طارئ اثناء رحلات الطيور عبر القارات على مساراتها المتعددة مثل المسار البحري، النيلي, الصحراوي، أو أي موقع بالعالم، وبحمد الله أصبحنا جزءاً من هذه المنظومة المعرفية العالمية في علم الطيور.
*هل تابعت أي رحلة من هذه الهجرات العالمية؟
كنت جزءاً من إحدى الرحلات المهمة لهجرة ثلاثة طيور من نوع اللقلق الأبيض السلوفيني، (الباجبار)، وهو من الطيور المهاجرة التي تعبر الأجواء السودانية ذهاباً وإياباً، وتم إعداها لأغراض البحث العلمي منذ العام 2015م وتمت تسميتها (تشارلي) و(أوتو) و(لولا) بالتعاون مع عامة الناس والمهتمين والمختصين من قبل شركة “إلكترو لجوبينا”، التي دعمت مالياً وذلك بالقرب من غروسوبيل (زوري، وفورتونا، وبافلي) وفي مستنقعات ليوبليانا (بيلا، سريكو)، وتم مشروع مراقبة هجرة اللقلق الأبيض من تلك المناطق، وذكرت النشرة البحثية التي تتابع هذه الهجرة أن الطيور الثلاثة شابة من بيفكا في ليوبليانا مارشيز، والتي تم تزويدها بأجهزة تتبع GPS في 10 يوليو 2020. وانضمت إلى خمسة طيور لقالق أخرى، وفي السودان اصطحبت اثنين من طير البقر، نظرًا لأنه لا يحمل علامة أو جهاز إرسال.
وفي تلك الهجرة حدث لتشارلي طارئ، وكان في البداية متأخراً قليلاً عن لولا وأوتو، حيث كان لا يزال يتجول في مستنقع ليوبليانا مع طيور اللقلق الأخرى أثناء رحلته عبر البلقان، نجح في عبور البحر الأحمر وتتبع مجرى النيل وصولاً إلى الخرطوم وانتهت رحلة حياته للأسف.
*كيف انتهت حياة تشارلي؟
للأسف نقلت خبر وفاة الطائر شارلي بعد التواصل معي من قبل مختبر “كورنيل” المشرف على العملية البحثية، وتم إطلاعي على كافة بيانات الرحلة، وتحديد الموقع الذي اختفت فيه إشارة تشارلي، وأخبروني بآخر إشارة قبل يومين في منطقة بالخرطوم…
تحركتُ للموقع مباشرة وهي منطقة طرفية بالثورات الحارة (95)، وتطابق الموقع مع منزل مواطن يدعى أحمد واستفسرته عن ما حدث للطائر وأخبرني بأنه تاجر إبل في مناطق كردفان، وأن الطائر تعرض لإطلاق نار من قبل أحد رعاة الإبل بمنطقة (أبوقفيل) التابعة لولاية شمال كردفان، بغرض الصيد، وتفاجأ بالجهاز على ظهر الطائر، وحقيقة هذا الراعي لم يتعرف على الجهاز لدرجة أنه لم يستطع وصفه، بدوري اتصلت على الأجهزة الأمنية المختصة وأبلغتهم بما حدث وسلمتهم الجهاز وهو الآن بطرفهم.
بعدها تواصلت مع الأجهزة الأمنية المختصة وأخبرتهم بحقيقة الجهاز، ودعمت ذلك بفك شفرته لمعرفة بيانات الهجرة، وتفضلوا مشكورين بتفهّم ذلك وسلموني الجهاز الذي تمت إعادته للمختبر بـ”سلوفينيا”.
*كيف تعرّفت على هذه المجموعة العلمية؟
عندما فقدت المجموعة البحثية التواصل مع تشارلي وحدّدت موقعه بالسودان للأسف لم تجد منظمات شبيهة بـ DOPPS فبحثوا عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ووجدوا صفحتي ذات اهتمامات كبيرة بالطيور، وتم التواصل معي فتعرفت عليهم، وتواصلت معهم وما زلت وبهذه المناسبة أتمنى أن يفكر السودان في دعم نادي مشاهدة طيور السودان خاصة وأن لديه تنوعاً كبيراً في هذا المجال.
*كيف تقرأ نهاية اللقلق تشارلي الذي لقي حتفه بالسودان؟
نهاية مؤسفة بالمناسبة، كنت حزيناً جداً للواقعة التي يمكن قراءتها من زوايا متعددة، فبالنسبة للعمل البحثي هذا الطائر تم إعداده منذ أن كان فرخاً صغيراً، وفي مقدمة حديثي ذكرتُ أن هذا النوع من الطيور له هجرات طويلة عبر القارات والبحار، ولهذه الطيور مسارات معروفة ومحددة، ومع التغيرات المناخية رأى الباحثون أهمية التعرُّف على قوة تحمُّل هذا الطائر وقُدرته على تغيير المسارات، وهل هو قادر على المحافظة على السير في طريق أسلافه، أم إنه سيتخذ طرقاً جديدة تمكّنه من مواصلة رحلته، ولكن للأسف هذا الموت المفاجئ جعل الأسئلة البحثية قائمة، وبالتالي هذا الراعي نسف جهداً علمياً يتم إعداده لأكثر من 5 أو 6 سنوات.
البُعد الآخر والحزين جداً هو عدم الوعي بأهمية الطيور واصطيادها عشوائياً، الأمر الذي يُهدد سلامة الطيور ويؤثر سلباً في التوازن البيئي، ما يتطلّب قيادة حملة توعوية كبرى للمجتمع.