كان صاحب (ذاكرة كمبيوترية) الراحل علي مصطفى .. “دكشنري الأغنية السودانية”!!
اعداد : سراج الدين
قدرات خارقة:
أن توثق للأغنية السودانية ذلك يتطلب قدراً كبيراً من القدرات الذهنية الخارقة.. والأستاذ الراحل علي مصطفى الشهير بالدكشنري.. واحد من أجمل الذين وثقوا للأغنية السودانية في كافة مناحيها وتفاصيلها .. فهو كان مدهشاً بحق وحقيقة .. كان صاحب (ذاكرة كمبيوترية) يستحق أن نقف عنده بالتأمل والتفكر.. وشخصياً أجد نفسي في كل التفاصيل المثيرة التي تكتنف حياة هذا الرجل المبدع.. وهذه مجرد محاولة للتمعن في حياته وتفاصيله الخافية.
صاحب الشلوخ:
علي مصطفى (الدكشنري) من نواحي تمبول مشلّخ حرف (تي كابيتال) – من الشلوخ النادرة, تعرف علي مصطفى في بداية حياته على الفنان بادي رحمه الله (مشلخ سلم)، وعمل معه شيالاً لحوالي ثلاثين عاماً, زاملهما في هذه الرحلة الفنان علي العربي (مشلّخ سلم). الجدير بالذكر أن السودانيون في ذلك العهد كانوا يذهبون إلى الحروب مصطحبين فنانيهم وعازفيهم وعدتهم كاملة, فكنت تسمع عن مرافقة عائشة الفلاتية للجيش المتوجه لمحاربة اليهود ومرافقة احمد المصطفى لجيوش السودان المتوجهة إلى ليبيا. (هلا هلا زمن الحرب بفنانيها)
لقب الدكشنري:
في حوار له سابق قبل وفاته، قال الراحل علي مصطفى: (اسم الدكشنري أطلقه عليَّ الفنان القلع عبد الحفيظ بدار الاتحاد في عام 1996م، فحبي لغناء الحقيبة جعلني أهتم كثيراً بأمر البحث والتنقيب في مجالاتها الواسعة وقوفاً على مراحل تأليف أغنية الحقيبة وتلحينها وأدائها وتسجيلها للأسطوانات والإذاعة، حيث جمعت منها حوالي «4000» أغنية ومناسباتها، و«3000» مدحة من جميع رواد المديح في السودان، وحوالي «500» أغنية من أغنيات الحماس من جميع مناطق السودان، وكل الأغنيات الوطنية منذ فترة المهدية وحتى الآن وعددها حوالي «400» أغنية إلى جانب «250» أغنية من أغنيات التم تم”.
الرحلة للخرطوم:
بحلول العام 1965م، جئت للخرطوم في معية والدي، واستقر بي المقام في منطقة حي العرب بأمدرمان، حتى عام 1969م، حيث انتقلنا للسكن بأمبدة بشارع السبيل محطة الطاحونة، ثم أمبدة محطة أبوحنان حيث مقامنا الآن. الإعجاب المتزايد بأغنيات الحقيبة جعلني صاحب علاقة خاصة بالفنان ميرغني المأمون، حيث اقمت معه في منزله لبعض الوقت، وعملت معه ككورس مع رفيقه المرحوم أحمد حسن جمعة في عام 1970م، وكنت ومازلت معجباً به، حيث استفدت منه كثيراً للتعرف على ملامح تلك الفترة، إلى جانب علاقتي الخاصة بالراحل بادي محمد الطيب وبقية فناني الحقيبة.
نجم علي مصطفى:
ظهر نجم علي مصطفى عقب رحيل الفنان بادي محمد الطيب وكانت أول إطلالة تلفزيونية لعلي مصطفى في سهرة قدمها الإذاعي صلاح طه، في تلك السهرة ظهر الدكشنري لأول مرة وعرف جماهيرياً.. كان الدكشنري طوال تلك السهرة مشغولاً بجر أكمام جلبابه وتعديل عمامته وهندامه ولا يكاد أحد يبدأ الحديث عن أغنية من أغاني الحقيبة حتى ينبري الدكشنري متبرعاً بالإفادة بأن الأغنية إياها تم تأليفها في عام 1923 وأنه يعرف منزل الفتاة التي تم تأليف تلك الأغنية بسببها, وأنه قامت بتسجيلها شركة “بيضة فون” وصاحب مؤديها كورساً كل من عطا كوكو وحماد ود شندي.
الدكشنري:
يُلقب الأستاذ الراحل علي مصطفى رائد فن الحقيبة والعضو المؤثر باتحاد الغناء الشعبى، بدكشنرى أو قاموس الحقيبة، نسبة لمعرفته التامة بكل شعراء الحقيبة ولحفظه عدداً ضخماً جداً من الأشعار ومناسبات القصائد، وأصبح نجماً يشار إليه بالبنان في منتديات العاصمة، وصار مرجعاً للقنوات الفضائية والإذاعات، حيث يقدم إفادات تاريخية نادرة مصحوبة باللحن والغناء.