الحدود السودانية الإثيوبية.. وجه الحقيقة
الخرطوم: صلاح مختار: مناهل
يبدو أن “ثيرمومتر” العلاقات بين السودان وأثيوبيا يتجه نحو التصعيد الخطير شيئاً فشيئاً، ففيما تحشد الحكومة الإثيوبية قواتها على الحدود وتقوم بطلعات جوية على الأرضي السودانية. هنا في الخرطوم تقوم عدة منابر لمناقشة وتوضيح الحقائق بشأن ملف الحدود معها. ربما يستغرب البعض من التطور السريع في هذه القضية، ولكن المؤشر كان ينذر بذلك التحول منذ وقت بعيد لجهة كما تسميه مفوضية الحدود، بالتسويف والمراوغة من الإثيوبيين.
د. معاذ تنقو رئيس المفوضية يقول: ليس مخططاً من قبل قيام تنوير إعلامي، ولكن بعد ما فاض الكيل وكما يقول المثل (ضربني وبكا وسبقني اشتكى) من قبل الحكومة الإثيوبية كان لابد من الرد والتوضيح، فكان ذلك التنوير للسفراء ولأجهزة الإعلام لأهمية الأمر وتداعياته.
خلفية تاريخية
أعطى تنقو خلفية تاريخية للحدود بين السودان وأثيوبيا التي وصفها بالعميقة بعمق التاريخ والتي تطورت خلال الحكم التركي التي بدـت فيها ملامح الحدود الحديثة بين الدولتين. وأشار إلى أن عام (1885 _ 1899) كانت الحدود بين المهدية والإمبراطورية الحبشية، وحينما وقع السودان تحت الإدارة البريطانية عملت على إعادة ترسيم الحدود، ولفت إلى المحادثات التي بدأت بين برطانيا ملك الحبشة (منليك) في ذلك الوقت في تحديد الحدود الأثيوبية ـ السودانية، وأكد أن اتفاقية (1900) راعت فيه وصف الحدود بأن أراضي السودان هي الأراضي السهلية المنبسطة، أما الأراضي الحبشية فهي الجبلية عدا بعض المناطق. وقال تنقو: بعد إعداد المسودة أرجأت أثيوبيا التوقيع عليها، بل طالبت السودان عبر السلطات البريطانية بالتنازل عن أراض تابعة للسودان للزراعة، إضافة إلى إعطاء المتمة السودانية لأثيوبيا ، كذلك طالبت أثيوبيا بالتنازل عن أراضي بني شنقول.
غير أن بريطانيا قبلت بذلك شريطة منح شركاتها التنقيب عن الذهب بجانب التزام منليك بعدم بناء أي سد أو عائق على النيل الأزرق، وأكد أن الاتفاق وقع عام (1902) وقال: في ذلك الوقت ألزم منلليك وحلفاؤه بالاتفاق.
لجنة مشتركة
ولفت تنقو لاتفاق بين بريطانيا وملك الحبشة منليك على قيام اللجنة المشتركة بين البلدين لدراسة أحوال المواطنين في المنطقة، وقال إن الميجر قوين قام بزيارة منطقة الحدود والالتقاء بالمواطنين فيما عين الجانب الآخر ممثل سويسرياً غير أنه تأخر في الحضور لاجتماع اللجنة المشتركة وأعطي الإذن من منليك أن يقوم بترسيم الحدود ووضع العلامات بإشراف الإدارات الأهلية في البلدين، حيث وضعت علامات الحدود في اتفاقية (1905). وأكد أن السودان قام في هذه الاتفاقية بالتنازل عن منطقة كبيرة لصالح إثيوبيا، وقال: بعد وضع الإحداثيات وفق اتفاق 1905 عرف ببرتكول الحدود.
أصوات نشاذ
ونوه تنقو إلى بعض الأصوات في الجانب الأثيوبي بدأت ترفض البروتكول غير أنه قال: بعد استيلاء هيلي سلاسي على الحكم اعترف بالترسيم الذي قام به الميجر قوين كذلك فإن إثيوبيا اعترفت بالعلامات من خلال مذكرات (1972) التي عرضت على وزيري خارجية البلدين واعترف فيه الوزير الأثيوبي بالعلامات التي وضعت في اتفاقية (1903) التي وضعت بعض الالتزامات على الجانبين منها حل مشكلة المزارعين الأثيوبيين في السودان وبالبقاء على الوضع الراهن، وأكد أن وزير خارجية أثيوبيا التزم بعدم زيادة عدد المزارعين الاثيوبيين ووضع خط التمييز بين السودانيين والإثيوبيين وتشكيل لجنة مشتركة ووضع العلامات على الأرض، وأكد أن السودان قام بتعيين اللجنة الفنية عام (1973) التي أكملت الإجراءات وقدمت ميزانيتها التي قدرت بنحو (30) مليون دولار في ذلك الوقت، إلا أن أثيوبيا رفضت ذلك، وطلبت بالسعي لطرف آخر لسداد المبلغ.
هروب أم اعتذار
وأكد تنقو أن الحكومة الأثيوبية اعتذرت عن اجتماعات الحدود منذ عام (1991) بحجة أنها ليس لديها خبراء أو وثائق حتى عام (2001) الذي اتفق في الجانبين على تكوين مفوضية مشتركة لإعادة ترسيم الحدود ووضع علامات جديدة وتكثيفها، وأكد أن اللجنة الفنية اعتمدت على برتكول الحدود عام(1903) أساساً لتعريف الحدود، وقامت بإعداد الميزانية وبرنامج عمل وقدر المبلغ بحوالي (16) مليون دولار كذلك اعتذرت ـثيوبيا وطلبت إعادة النظر في المبلغ وكذلك رفضت ميزانية أخرى، وأكد أن اللجنة الفنية قامت بعمل ميداني وراجعت العلامات بين البلدين ابتداءً من نقطة الصفر. وقال: في عام (2013) وافق رئيس الوزراء الإثيوبي ديسالين على توصيف الحدود بين الدولتين حسب البرتكول المتفق عليه ولكنه طالب بإرجاء الموضوع لما بعد الانتخابات لتحديد الميزانية.
أطماع الفشقة
ولفت تنقو إلى الأطماع الأثيوبية في الفشقة التي بدأت منذ عام (1957) من خلال دخول ثلاثة مزارعين أصبحوا الآن اكثر من (10) آلاف مزارع، وأكد أن الأمر تطور بمحاولة الحكومة الآثيوبية تغيير البنية التحتية وشق الطرق وإدخال الكهرباء والاتصالات والتلفزيون على الأراضي السودانية. وأكد أن بريطانيا تفاوضت مع أثيوبيا لمدة (10) سنوات لم تر أكثر المراوغة منهم . وأكد أن وزير خارجية أثيوبيا وفق برتكول (1972) طلب أن تكون قمة الجبال الثلاثة موضعاً لعلامات الحدود، فيما طلب من السودان التنازل عن أربعة جبال وافق عليها وزير الخارجية في ذلك الوقت منصور خالد. بيد أنه قال إن إثيوبيا تمارس التسويف والمراوغة في التفاوض بشأن ملف الحدود، واكد أن المزارعين الأثيوبيين استولوا على أكثر من (10) آلاف فدان من الأراضي السودانية حينها تدخلت السلطات بفتح بلاغات وتقديمهم للمحاكمات ومصادرة الآليات الزراعية، وأكد أن عدم الالتزام هو عنوان المفاوضات مع الجانب الأثيوبي وذكر: عندما بدأ الهجوم على قرى المزارعين السودانيين أفرز ذلك توطين لجان الحدود عام (2001- 4) وقال: في عام (2004) قدمت اللجنة التقرير الميداني حصرت فيه المزارعين الإثيوبيين والمستوطنات التي تقدر بـ(7) مستوطنات وأكد أن اتفاقية (1972) التزم فيها وزير خارجية أثيوبيا بإعادة الترسيم وفق برتكول (1903)، مبيناً أنه طلب تشكيل لجنة لحصر المزارعين كذلك طلب من السودان المحافظة على الوضع الراهن، ولكن ألزم نفسه بعدم زيادة عدد المزارعين الأثيوبيين، وأكد تنقو أن كل المزارعين الإثيوبيين معروفون لدينا بالأسماء في ذلك الوقت.
مراوغة وتسويف
واعتبر مراوغة الإثيوبيين أمراً غريباً، ورأى أن إثيوبيا أجبرت السودان على القبول بالوضع الراهن واشترطت على نفسها عدم زيادة عدد المزارعين، ونوه إلى أنه في عام (2004) قامت لجنة خاصة بزيارة الفشقة وتسجيل كل من ادعى بأن له أرضاً وتسجيل الإحداثيات ووقع عليها من قبل الطرفين، وفي عام (2005) في أديس أبابا قدم السودان مقترح معالجة مشاكل الزراعة والاستيطان، كما وعدت أثيوبيا دراسة ذلك. وأكد أن أغلب المزارعين السودانيين حرموا من أراضيهم عبر التواجد القسري للإثيوبيين مشيراً ألى أن عصابات الشفتة مليشيات أثيوبية قيل إنها غير تابعة للحكومة الأثيوبية ولا تسيطر عليها. وقال: هنالك اعتراف بالحدود منذ عام 2010 وتأكيد وضع علامات قديمة بواسطة رئيسي البلدين.
وأشار إلى أن إنكار أثيوبيا للاتفاقيات السابقة يضعها ـمام مواجهة إعلان القاهرة عام (63) وقد أعلنت فيه الدول قبولها بالحدود التي وضعها الاستعمار كذلك يضعها في مواجهة مخرجات قمة الوحدة الأفريقية التي تبنت ذلك، ودعت فيها إلى احترام الدول للحدود التي ورثت من الاستعمار، واعتبر الذين يطالبون بإعادة النظر في البرتكولات ليسوا مسؤولين، وقال: ربما لا يعرفون أنها سترد إليه مناطق كبيرة عبر الوثائق ومحاضر التفاوض.