يشوب الوقع الأمني بالبلاد الكثير من التشوهات والإفرازات السالبة والمُحبطة، وهو واقع صنعته جملة من الأسباب، على رأسها الضائقة المعيشية وعجز الحكومة عن توفير الضرورات الحياتية، وتناسل الأزمات واستنساخها، وفراغ الشباب وإفراغهم بتجميد العام الدراسي والجامعي وجه كل هذه الطاقات وأهدرها في التفكير غير المنتج والدخول لعالم الجريمة.
الوقائع التي تؤكدها سجلات البلاغات تشير بوضوح إلى مشاركة كبيرة للأطفال في الجرائم، سواء باستغلالهم أو جنوحهم وهو ما شكّل خارطة جنائية جديدة لقضايا الأطفال.
تحولت قضايا الأطفال عن شكلها التقليدي من قضايا إيذاء واعتداء عليهم إلى جنوح مثير للقلق، وهو نوع آخر من الإيذاء وقع عليهم، ولك أن تتخيل مجموعات من الأطفال تنظم تشكيلات إجرامية منظمة تنهب وتسرق وتقتل وترهب بالسكاكين والسواطير، ولك أن تتخيل مجموعة من الاطفال يتسولون في الشارع العام ويوزعون الخمور ويتاجرون في القمامة، لك أن تتخيل مجموعة من الأطفال يداعبون حواسيب وهواتف ذكية يحتالون بها على العشرات من المواطنين ويتكسبون من ذلك مليارات الجنيهات، وآخرون قتل فراغهم الهوس فصاروا يلاحقون الفتيات وابتزازهن.
صارت وحدات حماية الأسرة والطفل تتلقى يومياً مثل هذه الجرائم، وهو ما يضعها أمام تحدٍّ كبير للتعامل مع هذا الكم الكبير من بلاغات الجانحين، ومكاتب إرشاد ودعم نفسي بمستويات متقدمة، والأهم من ذلك إيجاد حراسات بمواصفات خاصة تفي بمطلوبات حقوقهم ورعايتهم لحين محاكمتهم وإعادة صياغتهم. فالحراسات كانت مشيدة للكبار الذين يعتدون على الصغار، والآن نحتاج لحراسات صغار يعتدون على الصغار والكبار.
أعتقد بأن إغلاق المدارس لفترات طويلة سبب أساسي في هذا التحول الكبير على الأطفال، وهو ما أشار إليه خبير تربوي تحدث لـ(الصيحة) عقب استئناف الدراسة للصفين الثامن أساس والثالث ثانوي، وقال: (هؤلاء الصغار يحتاجون لإعادة تاهيل لما أصابهم من تشوهات سلوكية بسبب صفوف الخبز).
أفق قبل الأخير
هذا الحديث يقود إلى ضرورة التفكير بأن أي أسرة وسطها (مشروع مجرم) ما لم ينتبه أولياء الأمور.
أفق أخير
بلاغات الجنوح تفوق بلاغات الاعتداءات على الأطفال.