الخرطوم- محمد جادين
اكتظت شوارع الخرطوم بصروة غير مسبوقة بالسيارات عابرة الحدود، المعروفة بين السماسرة بـ(بوكو حرام)، ومن ثم أضحت الشوارع المُتهالكة تئن بالازدحام والتدفُّق اليومي لهذه السيارات التي تغزو البلاد مثلها مثل أسراب (الجراد الصحراوي)، وفشلت جميع محاولات ضبطتها وتقنينها في الحد من تدفقها عبر الحدود المفتوحة رغم الانتشار الواسع للقوات النظامية المختلفة، خاصة بعد أن أصبحت تجارة رابحة لقطاع كبير من المواطنين والعاملين في التهريب، وتوسّع نشاطها بصورة كبيرة وانتشرت أسواقها (دلالات بوكو) بكل القطاع الغربي لإقليم دارفور، وتوغّلت حتى في مدن الوسط ووصلت الأبيض وغرب كردفان، وتمددت حتى ولايات الجزيرة والنيل الأبيض وسنار، بجانب قطاعها العريض في الولاية الشمالية، خاصة وأن أكبر تسرب لسيارات (بوكو) يأتي عبر (المثلث) الحدودي بالولاية الشمالية مع ليبيا ومصر.
فرصة أخيرة
في سبيل معالجات الغزو الكبير لهذه السيارات وفي إطار المعالجات، منحت السلطات أصحاب (بوكو حرام)، فرصاً أخيرة لتقنين أوضاعها تمهيداً لمصادرة أي عربة تدخل البلاد بصورة غير مشروعة.
وفي آخر اجتماع لها، وجهت اللجنة العليا لجمع السلاح والعربات غير المقننة برئاسة النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول محمد حمدان دقلو في اجتماع بالقصر الجمهوري بحضور عدد من الوزراء وولاة الولايات وقادة الأجهزة الأمنية، بالاستمرار في جمع السلاح وتقنين عربات (بوكو حرام) وضبطها وتكثيف عمليات الجمع وتعيين قوات بالولايات لمتابعة القرارات.
وأوضح الناطق الرسمي باسم اللجنة، الفريق ركن عبد الهادي عبد الله عثمان المنسق الفني للجنة العليا، أن الاجتماع أقرّ الاستعانة بالمكون الخارجي لعرض تجربة السودان في مجال جمع السلاح للاتحاد الأفريقي ودول العالم الأخرى واستقطاب الدعم في هذا الاتجاه.
وقال المنسق الفني للجنة العليا لجمع السلاح والعربات غير المقننة الفريق ركن عبد الهادي عبد الله عثمان ، إن اللجنة قررت إعطاء فرصة أخيرة للمواطنين لتقنين عرباتهم خلال شهرين، على أن تتم مصادرة أي عربة داخل السودان بعد هذه الفترة.
وقال عبد الله إنّ اللجنة قررت إعطاء الفرصة للمواطنين الذين يملكون عربات الدفع الرباعي لترخيصها وإلغاء القرار السابق لحين توفير المال اللازم من وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي لشراء هذه العربات.
وفيما يتعلق بالعربات غير المقننة (بوكو حرام)، قال عبدالله إن فرصة تقنين العربات تمد لشهرين علي أن يتم مصادرة أي عربة داخل السودان بعد هذه الفترة ، وأشار إلى اغلاق الحدود خلال هذه الفترة بواسطة القوات النظامية بصورة محكمة.
وأوضح أنّ الـ15 يوماً الأولى من المدة ستخصّص للتسجيل والحصر اعتباراً من الأول من يناير وحتى الخامس عشر منه، على أن تخصص الفترة من 16 يناير وحتى الأول من مارس لتقنين العربات وترخيصها، وأضاف “بعد هذه الفترة ستتم مصادرة أي عربة داخل السودان وأن هذا القرار نهائي سيتم تطبيقه بكل حسم وشدة”.
حجزٌ وحظرٌ
وفي تطور جديد حول قضية عربات (البوكو حرام)، أصدرت هيئة الجمارك، قرارات جديدة فيما يتعلق بهذه السيارات بعد قرار السلطات الأول والقاضي بالسماح لها بالتحرك حتى تكملة إجراءات تقنيهنا، حيث أصدَرت الهيئة، قراراً قضى بحجز جميع سيارات (بوكو حرام) غير المحظورة والتحفُّظ عليها بحظائر الجمارك.
ويرجع القرار بحسب مراقبين إلى التسرُّب الكبير لهذه السيارات خلال فترة السماح هذه إلى الخرطوم من الولايات الأخرى.
وأوضحت الهيئة في تعميمٍ صحفي ممهور بتوقيع مُقرِّر لجنة تخليص العربات غير المُقنّنة، إنّه سيتم التحفُّظ على العربات التي يتم حصرها وتسجيلها بأورنيك جمارك (59) والإبقاء عليها بالحظائر الجمركية إلى حين تكملة إجراءات تخليصها وذلك اعتباراً من أمس الأول، وأوضحت الجمارك أنّه سيتم التحفُّظ على العربات التي سبق وأن تمّ حصرها قبل التاريخ عند بداية إجراءات التخليص في السادس عشر من يناير لحين اكتمال الإجراءات.
أرقامٌ كبيرةٌ
كشف رئيس لجنة جمع السلاح والعربات غير المُقنّنة الفريق عبد الهادي عبد الله في حوار مع (الصيحة) يُنشر بالداخل، عن عدة قرارات مُتمثلة في تقنين العربات (بوكو حرام) والتي تم تهريبها من دول الجوار، وأوضح أنّ عددها بلغ (300) ألف عربة داخل العاصمة الخرطوم وحدها.
وأعلن رئيس اللجنة العليا لجمع السلاح والعربات غير المقننة، الفريق ركن عبد الهادي عبد الله، عن تحديد وقت وتاريخ لتقنين هذه المركبات، وستتم بعد ذلك مصادرة كل العربات المخالفة، موضحاً أن (بوكو حرام) لها أضرار كبيرة على الدولة من الناحية الاقتصادية. وأوضح عبد الهادي أنه وحسب إحصاءات الإنتربول أن بعض عربات (بوكو حرام)، مسروقة وأخرى لها علاقة بجرائم قتل وتهريب، مؤكداً أنه سوف تتم مُصادرتها من قبل الشرطة. وحذّر المواطنين من عربات (التاتشرات) باعتبار أنها مخصّصة للقوات النظامية فقط بعد شرائها من المواطن، وأكد على تجريم وجود المواتر بالحدود نسبةً لاستخدامها في جرائم النهب والتهريب.
ترحيبٌ بالقرارات
رحب مُراقبون بصدور قرار حجز سيارات (بوكو حرام)، لجهة أن عدد السيارات بالبلاد وصل إلى حدٍّ يفوق إمكانات الطرق وحجم الوقود المتوفر، علاوةً على تواصل الشكاوى من شرطة المرور بصعوبة ضبط ومتابعة العدد الكبير من السيارات التي تجوب أنحاء العاصمة فقط غير بقية الولايات.
ويرى المحلل الاقتصادي قاسم صديق في تصريح لـ(الصيحة)، أن القرار سليم ويراعي وضع البلاد، وشدد على أن استيراد السيارات يُخضع لسياسات الدولة وتصدر له ضوابط محددة، ولفت إلى أن وزارة الصناعة والتجارة سبق وأن أوقفت استيراد السيارات بسبب تزايد عددها، واعتبرها سبباً رئيسياً في تفاقم واستمرار أزمة شح الوقود، ونوه إلى أن القرار لا يزال سارياً ولم يتم تعديله، وقال (إن الاستيراد العشوائي يؤدي بلا شك لتبعات من الصعب مُعالجتها خاصة استهلاك الوقود وتهالك الطرق والاختناقات المرورية في رقعة جغرافية ضيِّقة كالعاصمة).