الفشقة.. حججٌ إثيوبية واهية يكذبها التاريخ
تقرير- عبد الله عبد الرحيم
أحداث مؤسفة شهدتها الحدود الشرقية، حينما شنت مليشيات إثيوبية مساء أمس الأول هجوماً غادراً على قرى حدودية في شرق السودان وأدى لقتل 5 نساء سودانيات وطفل، كما فُقدت امرأتان إثر هذا الهجوم، على يد المليشيات الإثيوبية التي تسللت عبر الحدود وقامت بمباغتة الأهالي أثناء عملهم في حصاد الذرة بمحلية القرّيشة بعمق خمسة كيلو مترات في أراضي الفشقة شرقي منطقة الليَّا الواقعة بين قريتي “الآسرة ومديرية”. وبهذا الأمر تلوح في الأفق نذر حرب ومؤشرات لاحتمال انفجار الوضع واشتعال فتيلها بعد حشد المنطقة بالقوات العسكرية بين الجيشين بالمُدرّعات والمدفعية والأسلحة الثقيلة في المناطق المُحاذية لمحلية القرّيشة ومحليتي باسندة والقلابات الشرقية بولاية القضارف المتاخمتين لإقليم الأمهرا الإثيوبي، بيد أنه وحسب مراقبين فإن إثيوبيا تسارعت لاستخدام سلاح الجو عبر طلعات جوية نفذها الطيران الحربي الإثيوبي وهي الأولى من نوعها في المناطق الحدودية بين البلدين، ما يشير إلى أنّ إثيوبيا ربما تريد التعمُّق أكثر في إشعال فتيل هذه الأزمة التي بادرت بإشعالها، بينما يعمل الجانب السوداني إلى الميل لإيجاد الحلول بطرق أكثر سلمية ودبلوماسية. في وقت يتعرّض فيه المواطنون السودانيون على الحدود لأبشع الجرائم من قبل المليشيات الإثيوبية. وهذا الأمر خلق هالة من الذعر وسط المواطنين العُزّل ما دفعهم لمطالبة السلطات العسكرية إلى الرد بالمثل.
مطاردات حدودية
على إثر الهجوم، سارعت قوات من الجيش إلى المنطقة وقامت بتمشيطها وملاحقة القوات الإثيوبية الغادرة. وتم إخلاء جثامين الشهداء وإعادتها إلى القرية، حيث يقول شهود عيان إنه تم دفنهم في مقبرة جماعية بحضور قيادات من الشرطة والجيش.
وتفيد متابعات (الصيحة) أن الجيش تمكّن من صد هجوم ليلي إثيوبي على منطقة “ود كولي” الحدودية وقام بأسر أحد قادة المليشيا الإثيوبية المهاجمة فيما لم يرد أي توضيح من الجيش حول هذا الأمر.
إثيوبيا تفند
في هذه الأثناء، خرجت وزارة الخارجية الإثيوبية بخطاب مُؤجّج للأزمات، وقالت عبر مؤتمر صحفي عقدته أمس، إن ما يفعله السودان لا يعكس مصلحة شعبه ولا يساعد في إيجاد حل دائم لقضية الحدود وإنها لا تعترف بترسيم الحدود في العام 1903 لفحوى أنه تم دون حضور ممثل إثيوبيا، وأوضح المتحدث بوزارة الخارجية الإثيوبية دينا مفتي أمس أن معاهدة ترسيم الحدود التي تم توقيعها في العام 1902 بين حكومة إثيوبيا والإدارة الاستعمارية البريطانية في السودان نصّت على إنشاء لجنة حُدود مُشتركة لترسيم الحدود المشتركة، مشيراً إلى أنّ الممثل البريطاني الرائد جوين وقتها قام في العام 1903م بعملية ترسيم الحدود من جانب واحد دون حضور ممثل إثيوبيا أو تفويض من الحكومة الإثيوبية. وأضاف “نتيجة لذلك، ظل ترسيم جوين خاصة في المنطقة الواقعة شمال جبل دجليش موضع خلاف ومتنازع عليه”. وتابع حديثه قائلاً إن وزيري الخارجية في الدولتين وقّعا مذكرات اتفقا فيها على الشروع في عملية إعادة الترسيم من جبل دجليش جنوباً ودراسة المشكلة الناتجة عن الاستيطان والزراعة من قبل مواطني أي من الدولتين في أراضي الدولة الأخرى بهدف إيجاد حل ودي. وأضاف “بعد شهرين من توقيع المذكرات، كتب وزير خارجية السودان خطاباً إلى إثيوبيا يبلغه لاحقاً بأن حكومة السودان قد كتبت خطاباً إلى رئيس منظمة الوحدة الإفريقية آنذاك (OAU) يُبلِّغه بإبرام اتفاقية تنظم أطول حدود بين البلدين الأفريقيين”، وتابع: “بالإضافة إلى ذلك، أبلغوا إثيوبيا أن حكومة السودان قد صدقت وأودعت عام 1972 تبادل الأوراق وفقا للمادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة”.
حجج غير صحيحة
وكذب خبير القانون الدولي السفير الرشيد أبو شامة، حديث الوزير الإثيوبي، وقال إن ما ذكرته الخارجية الإثيوبية غير صحيح وعار تماماً عن الصحة، كما أنه حديث مغلوط لجهة أن الاتفاقية اليوم موجودة في معظم دور الوثائق العالمية وفي السودان، ومضى قائلاً: على إثيوبيا البحث عنها والوقوف عليها في دار الوثائق البريطانية وغيرها، مؤكداً أن الحدود موجودة ومُسجّلة وقد نفّذها الضابط الإنجليزي قوين واعيد النظر فيها في العام 1972 عبر وزير الخارجية السوداني منصور خالد والملك الإثيوبي هيلاسلاسي. وذكر أبوشامة لـ(الصيحة) أن عملية ترسيم الحدود التي تمت في العام 1902 هي الأساس والثابتة والمُعترف بها، فيما ذهب الضابط قوين في العام 1903 لتثبيت الحدود وقال إن المنطقة التي يقع عليها سد النهضة منطقة سودانية أعطاها السودان لإثيوبيا بحسب طلب الملك الإثيوبي الذي أبدى طمعاً في الحصول على الذهب وساعدته المملكة البريطانية في ذلك، وقال إن السودان أعطاها لإثيوبيا بشروط وضعها الإنجليز وهي أن لا تقيم إثيوبيا أي موانع أو منشآت تعيق تدفق انسياب المياه على النيل الأزرق، مشيراً إلى أنّ قيام سد النهضة مُخالفة صريحة لهذه الشروط والاتفاق، وقال إذا كانت إثيوبيا غير مُعترفة بهذه الحدود فعليها إعادة منطقة بني شنقول التي يقع عليها سد النهضة للسودان لأنها أرض سودانية وبشهادة التاريخ والمواثيق، مشيراً إلى أنّ حتى سحنات من يسكنون المنطقة سودانية ويتحدثون اللهجة السودانية، شأنهم في ذلك شأن أهالي النيل الأزرق وسكان مناطق الدمازين وغيرها، وزاد: إن بني شنقول أرض سودانية منذ قبل المهدية وإلى حين قيامها.
إقرار آبي أحمد
ودحض أبو شامة، أحاديث وزير الخارجية الإثيوبي، وقال إنها حجة عليه وليست له، وإن المسألة ليست قضية تماطل ونكران كالذي تمارسه إثيوبيا الآن، وإن الوثائق موجودة وهي تفند ذلك بشدة، وأبان أن السودان بإمكانه تصعيد القضية باللجوء إلى المنظمات الدولية ذات الصلة بقضايا الحدود في الأمم المتحدة ليؤكد هذه المواقف، مطالباً في ذات الوقت ضرورة تحرك السودان دبلوماسياً وحقوقياً للمُطالبة بهذا الحق وعدم التباطؤ فيها حتى تلحق بقضايا أخرى شبيهة في حلايب وغيرها. وأكد أبو شامة أن الرئيس الإثيوبي آبي أحمد قد أقر في واحدة من لقاءاته مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، و”مثبتة” بأن الحدود بين البلدين هي حدود 1902م، بيد أنه قال إن الجانب الإثيوبي دوماً يتحدث عن حاجته للأرض لغرض الزراعة وهذا هو الذي تم عبر بند في اتفاقية 1972 التي عقدها منصور خالد مع الجانب الإثيوبي، وقال إن تخطيط الحدود لم يتم لأنّ الجانب الإثيوبي وقتها لا يملك المال لإنفاذه مع السودان.