سايق الكارو العجوز
جرا سوطو وطرقع السوط في الهوا
ولعن الخيل وأبو البعرفو الخيل
وسوطو فوق ضهور الخيل هوا
وابتسم لما الخيول اتنحنحت
والقوايم أصبحت فوق في الهوا
قتلي شيشك.. يابا ما تسايس الخيول
قالي يابا السوط وحاتك للخيول أحسن دوا..
ربما لا يتذكّر الدكتور كرار التهامي أننا كنَّا شهوداً على ميلاد هذا الشعر بالسجانة. كان كرار طالباً بكلية الصيدلة بجامعة الخرطوم، وكان حينها ناشطاً في جمعية كلية الصيدلة الثقافية، وولعِاً بأشعار الراحل إسماعيل حسن في نسخة شعره الفلسفي المُتجاوز مراحل أشعاره الغنائية، وكنتُ أسكن منزل الراحل كواحدٍ من (أولاد البيت) بحكم الصلة وبحكم صداقة الراحل القوية بوالدي. كنتُ ألتقي كرار أسبوعياً وكان الراحل إسماعيل يتهيّأ لمُلاقاته أسبوعياً، ويضيق به الكون إذا تأخّر، ثم يتبسّم وينطلق محيَّاه حين يرى كرار راجلاً في اتجاهنا ونحن أمام باب المنزل الذي يطل على سوق السجانة الضَّاج بعربات الكارو والخيول التي ضاع صهيلها. ذلك الشارع الذي انسكبتْ منه لحُون خليل أحمد وأنغام عبد الفتاح الله جابو، واعتمد أوراق عثمان حسين.
يتحرّر كرار من بص الحلة الجديدة الذي يمر بشارع السجانة، ويغدو بائناً لأعيننا، فيتهلّل إسماعيل ويقول لي: (هَدَاك جَا)، ثم يعتدل وتبدأ أولى النيازك للمهوى. كان ذلك الزمن بحق، زمنُ الشعر، فقد كنَّا نمدُ أيدينا للشمس ونشوي عليها القصائد.
كان (العربجي) المُتوتِّر يجلد حصانه بعُنفٍ ويلعنه، والحصان الحرون يركز ركرة جعلي استبدّ به هيامُ من هي في الحفل، وحينها تدخَّل الراحل إسماعيل لفضِّ الاشتباك بين الحوزي والحصان، وجلس يستمع لكرار.
بقيتي الفرحة في زمناً كتر همي
بقيتي أخويا ود عمي
وبعد أمي الزمان رحلت
تخيلي فيك لقيت أمي
هكذا يستهل إسماعيل التضوع، وكرار يُدوِّن ويسأل ثم نجري المقارنات ونستعرض سير أهل العشق ومن قتلتهم الصبابات، ونصل إلى أنّ أكثر أنواع العشق كيَّاً هو عشق الكِبَر لأنّ هوامشه ضيِّقة، وخياراته مقفولة ومَدَاهُ فَسيحٌ. رحم الله ابن الفارض:
يا أهيل العشق أني تنكروني
كهلاً بعد عرفاني فتى
فهوى الغادة عمري عادة
يجلب الشيب إلى الشاب الفتى
غادرنا كرار بعد أن دوَّن ما دوَّن، واغتبط ما انتشى. وفي الصباح قرأ عليَّ إسماعيل قصيدة العربجي بنفس ما أوردتُ أبياتها في الصدر.
رحم الله إسماعيل الذي نَحَتَ اسمه في ديوان الشعر السوداني بالفصيح والغنائي وبلهجة الشايقية وبمناخات الدوبيت.