وقّعت وزارة المالية السودانية والخزانة الأمريكية ستيفن منوشن، مذكرة تفاهم لتصفية متأخرات السودان للبنك الدولي وتمكين السودان من الحصول على ما يفوق المليار دولار سنوياً، ووصل وزير الخزانة الأمريكي إلى الخرطوم على رأس وفد في أول زيارة من نوعها للسودان، وتجيء الزيارة لإجراء مباحثات مع المسئولين السودانيين ومناقشة الوضع الاقتصادي، وبحث الكيفية التي يمكن أن تساعد بها الخزانة الأمريكية في سداد متأخرات السودان للبنك الدولي، والبالغة أكثر من (60) مليار دولار.
بدوره رحب رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بزيارة وزير الخزانة الأمريكي، وقال في حسابه على تويتر، ووصف الزيارة بأنها قفزة تاريخية بالعلاقة مع واشنطن.
وتأتي الزيارة بعد نحو 27 عاماً من إدراج السودان من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو الأمر الذي أنهاه إعلان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو رسمياً والقاضي برفع اسم السودان من تلك القائمة في الرابع عشر من ديسمبر الجاري، حيث أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب في الثاني عشر من أغسطس 1993م، رداً على استضافة السودان لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، بجانب دعم الحكومة السودانية لحركة حماس وحزب الله اللبناني، واستضافة الإرهابي الفرنسي كارلوس الثعلب، الأمر الذي أفضى بالولايات المتحدة لأن تصنف النظام الحاكم البائد في السودان من أخطر نقاط الارتكاز للحركات الإسلامية الإرهابية في العالم،
وحرم تصنيف السودان ضمن قائمة الإرهاب من تلقيه أي مساعدات اقتصادية من الولايات المتحدة الأمريكية، بل وأدى فعلياً إلى منع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من التمويل أو تخفيف الديون عن كاهل الخرطوم، زيادة على إعاقته للمعاملات بالدولار للشركات السودانية، وحتى مع رفع العقوبات التجارية الأمريكية عام 2017م، ظلت الاستثمارات الأجنبية هزيلة وعزفت البنوك الأجنبية عن التعامل مع السودان مع سعيها لضمان الامتثال للعقوبات، حيث اشترطت الحكومة الأمريكية من ضمن المتطلبات من السودان التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وزيادة الحريات الدينية وتعزيز القدرة على إدخال المساعدات الإنسانية ودفع تعويضات عن هجمات تقول الولايات المتحدة إن الخرطوم لها صلة بها، وهو بالفعل ما نفذته الحكومة السودانية بالحرف، حيث قامت بدفع تعويضات عن هجمات القاعدة على سفارتي واشنطن في كينيا وتنزانيا عام 1998م والبالغة في مجملها (335) مليون دولار على سبيل التسوية كتعويض عن تفجير السفارتين وحوّل المبلغ إلى حساب ضمان.
ولاشك أن زيارة ستيفن منوتشين تُعد خطوة كبيرة في دفع علاقات السودان الدولية، لاسيَّما وأنها ستساعده في تحقيق استقراره الاقتصادي وإنعاشه، وستسمح له بالعودة للانضمام لشبكات التمويل العالمية وتزيد من تحويلات العاملين بالخارج ومن تدفقات التجارة والاستثمارات، بجانب أن الولايات المتحدة عقب هذه الزيارة الرسمية يمكنها تسوية متأخرات ديون السودان ودعم خطط للإعفاء من الدين ومساعدة السودان على الحصول على أكثر من مليار دولار سنوياً من مقرضين دوليين، الحصول على التكنولوجيا الحديثة التي تسهم في تسهيل وتقليل تكاليف استيراد عتاد أجهزة ووسائل الدفع الحديثة للجهاز المصرفي والشركات الناشئة للمساعدة في إحداث نقلة في مجال خدمات الدفع والتقنيات المالية، وتهيئة بيئة الأعمال وجعلها جاذبة للاستثمار، الأمر الذي سينعكس بالإيجاب تدريجيًّا على حركة رؤوس الأموال الأجنبية بالسودان، وتذليل العديد من الصعوبات التي واجهها في السنوات الماضية وعلى رأسها تقييد التعامل مع البنوك العالمية، ومن شأن انسياب المعاملات المالية والمصرفية من الخارج أن يضاعف من تدفقات رؤوس أموال الشركات الأجنبية بالسوق السودانية مستقبلاً، زيادة على اعتزام واشنطن مواصلة دعم الانتقال الديمقراطي للحكومة المدنية في السودان عبر تمكين الخرطوم من الوصول إلى المؤسسات المالية الدولية وتوفير (700) مليون دولار على شكل مساعدات وإعفاءات من الديون تقدر بـ(23) مليون دولار، خاصة عقب تمرير الكونغرس الأميركي بمجلسيه الأسبوع قبل الماضي لتشريع تضمن الموافقة على استعادة السودان لحصانته السيادية التي فقدها عام 1993م عقب إدراجه على قائمة الدول الراعية للإرهاب، الأمر الذي يعني منع الأفراد في الولايات المتحدة من ملاحقة الحكومة السودانية قضائياً بدعاوى تتعلق بالإرهاب، لكن التشريع الجديد تضمن بنداً يحفظ لضحايا هجمات 11 سبتمبر وعائلاتهم حق رفع دعاوى قضائية أو استكمال أخرى تتعلق بدور مفترض للسودان للهجمات بسبب استضافته قياديين في تنظيم القاعدة.
وبرز مؤخراً توجه عام في الولايات المتحدة يفيد بأن السودان مهم جداً للحفاظ على المصالح الاستراتيجية الأميركية ومصالح الأمن القومي في إفريقيا والشرق الأوسط، الأمر الذي يتعين معه على الإدارة الأمريكية تعضيد وتوسيع أوجه التعاون مع السودان في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والملفات الأمنية والعسكرية.
الأمر الذي يستوجب من الحكومة السودانية وضع برنامج إصلاح اقتصادي شامل لتحقيق التحول والنمو الاقتصادي، وتوفير مناخ جديد من حيث توسيع درجة الانفتاح الاقتصادي للسودان مع العالم الخارجي، والعمل على تهيئة وتحسين مناخ الأعمال جعل السودان جاذباً مرة أخرى، لاسيما وأنه وفق التقارير الصادرة عن البنك الدولي في عام 2020م بشأن مناخ الأعمال يحتل السودان مرتبة متأخرة في جميع المؤشرات، مع أهمية إقامة العلاقات السياسية المتوازنة والقائمة على المصالح المتبادلة للحصول على تقدم في مسألة إعفاء الديون وإتاحة الفرصة للسودان الاستفادة من التمويل بشروط ميسرة من المؤسسات المالية والدولية.